Sunday, June 17, 2012

إسرائيل وجبهة الإعلام

أمجد عرار
يعتقد البعض أن في “إسرائيل” صحافة حرّة، تماماً مثلما يعتقد أنها واحة ديمقراطية. ولا يعرف من يعتقد ذلك أن الاحتلال والديمقراطية لا يلتقيان، وأن “أمة” تستعبد أمة أخرى لا يمكن أن تكون هي نفسها حرّة. ولا مجال لاستعراض مظاهر التمييز العنصري داخل “إسرائيل” نفسها، فضلاً عن التمييز ضد العرب. أما مسألة الحريات فكذبة كبرى، ذلك أن وسائل الإعلام “الإسرائيلية” موجّهة ومؤدلجة، وأن ما يبدو ظاهرياً خلاف ذلك جزء من اللعبة، وضمن الإيقاع المراد.
الصحافية “الإسرائيلية” البارزة في القناة الثانية إيلانة ديان كشفت قبل أيام عن جرائم وانتهاكات اقترفتها قوات الاحتلال بحق الفلسطينيين، ولاسيما في سجون الاحتلال، وكذلك في لبنان، لكن تعترف بأن الرقابة العسكرية في “إسرائيل” منعتها من بثها، إما لذرائع “أمنية”، وإما لتجنب كشف أداء سيئ للجيش “الإسرائيلي”، وتضرب مثلاً ما حصل حين تورّط في الوحل اللبناني وما انكشف من مظاهر ارتباك وانحطاط معنويات.
ما كشفته الصحافية عن التنكيل بالأسرى لا يضيف جديداً إلى ما هو معروف من سياسات الاحتلال في سجونه، لكنها تلقي الضوء مجدداً على التعتيم الإعلامي المفروض، وتؤكد أنها انتظرت الرقابة العسكرية عاماً ونصف العام للحصول على إذن ببث برنامج عن اعتداء قوات الاحتلال على أسرى سجن النقب، وذلك بعد تنازل معدي البرنامج عن مقطع يتحدث فيه والد أسير استشهد في الاعتداء، بسبب اعتزازه بابنه.
ما كشفته الصحافية ديان عن مجزرة أسطول الحرية، مثلما يشي بالكثير عن عقلية الإجرام لدى “إسرائيل”، يدلل على مدى تحكّمها بوسائل الإعلام، لأن ما رصدته الصحافية من اعترافات للجنود المشاركين في المجزرة، منعت من نشره. ومن ذلك رفض الرقابة العسكرية “الإسرائيلية” السماح ببث اعترافات بعض الجنود عن تصويب الرصاص نحو رؤوس المتضامنين الأتراك بهدف القتل المؤكد، واعتراف أحد قادة الكوماندوز “الإسرائيلي” بأن الجنود أمطروا أحد المتضامنين الأتراك ب 370 رصاصة.
من حيث المبدأ، فإن أهم ما في رسالة الإعلام أن يُطْلع الشعب على الحقيقة بمرها وحلوها، لكن الصحافية لا تكتفي بكشف حقيقة التحكّم بمفاصل وتفاصيل العملية الإعلامية في “إسرائيل”، إنما تؤكد حقيقة أخرى تتعلّق ب “المجتمع الإسرائيلي” نفسه الذي ازداد تطرفاً وعدوانية تجاه الفلسطينيين والعرب، وتعترف بأن ما سمح ببثه في أوقات سابقة، من غير الممكن السماح به من جانب هذا المجتمع الذي يؤيّد سياسة التعتيم على ما تفعله قيادته عندما يتعلّق الأمر بالفلسطينيين والعرب.
تدرك “إسرائيل” جيداً أهمية الإعلام في خدمة مشروعها، لذلك ركّزت منذ إنشائها على هذه الجبهة، حيث أخضعت وسائل إعلامها، وإن بشكل غير مرئي، إلى مخابراتها، وأنشأت مكتباً إعلامياً حكومياً “بيت أغورون”، يخضع لإدارة جهاز المخابرات، ولا تصدر أية بطاقة لصحافي إلا بعد موافقته عليها. ولم تكتف “إسرائيل” بالإعلام الداخلي، بل أعملت أصابعها بالعديد من وسائل الإعلام العالمية، حتى إن اللوبي الصهيوني سيطر مالياً على بعضها وجيّره لخدمة سياساتها، ومن يراقب هذه الوسائل يجدها أشد دفاعاً عن “إسرائيل” وجرائمها من وسائل الإعلام “الإسرائيلية”. وهناك كثير من الوقائع والشواهد على فبركات قامت بها وسائل إعلام غربية موالية ل “إسرائيل” ضد النضال الفلسطيني الذي دأبت هذه الوسائل على وصفه ب “الإرهاب”.
صحيح أن جهات عديدة في هذا العالم باتت تعدّ الإعلام جبهتها الأولى لتحقيق سياساتها، لكن “إسرائيل” فعلت ذلك مبكراً.