Sunday, June 17, 2012

المبادرة والحلقة المفقودة في اليمن

هاشم عبدالعزيز
بعد مخاض استمر فترة غير قصيرة كانت حافلة بتسويق الإشاعات والاحتمالات والتوقعات الأغلب منها من حوافز الأماني لا الحقيقة ولم يكن هناك مجرد تفكير باللجوء إلى ولادة قيصرية، عقد مجلس الأمن الدولي الثلاثاء الماضي جلسته لمتابعة الوضع في اليمن من واقع تقرير المبعوث الأممي جمال بن عمر المكلف بمهمة تنفيذ المبادرة الخليجية وقرار مجلس الأمن في شأن ما يوصف من هذه الأطراف ب “الأزمة اليمنية”.
المجلس في اجتماعه أعلن أنه “يكرر تأكيده على ضرورة التنفيذ الكامل للمبادرة الخليجية وآليتها التنفيذية في الوقت المطلوب وبموجب القرار رقم (2014) لعام 2012”، لكن جديده أنه أعاد تحديد المهام المفترض مواجهتها في المرحلة الثانية من العملية الانتقالية ودعمه لجهود الرئيس عبدربه منصور هادي ومطالبته بدعم حكومة الوفاق الوطني ونبذ العنف وإشاعة الأمن والتصدي للأعمال الإرهابية.
وكما ورد في قراره: “يشير - أي مجلس الأمن- إلى أن المرحلة الثانية للعملية الانتقالية تمشياً مع الآلية التنفيذية يجب أن تركز على:
- عقد مؤتمر حوار وطني شامل.
- إعادة هيكلة القوات المسلحة والأمن في إطار بنية مهنية وطنية موحدة وإنهاء كل الصراعات المسلحة.
- إجراء خطوات لتحقيق العدالة الانتقالية ودعم الوفاق الوطني.
- إجراء إصلاح دستوري وانتخابي وعقد انتخابات عامة في فبراير/شباط 2014”. وعبر المجلس بوضوح أنه “يدعم جهود الرئيس عبدربه منصور هادي وحكومة الوحدة الوطنية للدفع بالعملية السياسية إلى الأمام من خلال إصلاح القطاع الأمني وإجراء تغييرات في مناصب عليا لدى أجهزة الأمن والقوات المسلحة والبدء بالأعمال التحضيرية لعقد مؤتمر الحوار الوطني”.
في النظر إلى قرار مجلس الأمن كان اللافت سياسياً مسألتين، الأولى الصيغة الأقرب إلى المغايرة للخطاب الأمريكي المستهلك لتبرير العمليات ضد جماعات تنظيم القاعدة، إذ بحسب ما أورد المجلس “يعرب عن قلقه إزاء ارتفاع عدد الهجمات التي تنفذها أو يتبناها تنظيم القاعدة في جزيرة العرب وعن إصراره معالجة هذه المخاطر وفقاً لميثاق الأمم المتحدة والقانون الدولي بما في ذلك القانون النافذ لحقوق الإنسان واللاجئين والقضايا الإنسانية”، أما الثانية فتمثلت في إعلان المجلس عما يمكن وصفه بالرسالة التحذيرية للرئيس السابق وأبنائه وأقاربه ومن ما زالوا يحاولون اللعب على ضياع الوقت واستغلال الأوضاع لعرقلة الخطوات الانتقالية من جهة وإطلاق ما يحتمل وصفه بالتوجه المفتوح دولياً في اليمن من جهة ثانية بما يعني ذلك على اليمن حاضره ومستقبله.
وبحسب ما ورد في القرار فإنه “يطلب وقف كل الأعمال التي تهدف إلى إضعاف سلطة حكومة الوحدة الوطنية وتقويض التحول السياسي بما فيها الهجمات على البنى التحتية لمنشأت النفط والغاز والكهرباء والتدخل في القرارات المتعلقة بإعادة هيكلة القوات المسلحة والأمن وإعاقة تنفيذ القرار الصادر بتاريخ 6 إبريل/نيسان 2012 بشأن تعيينات عسكرية ومدنية ويعبر المجلس عن استعداده دراسة إجراءات أخرى بما في ذلك ما هو منصوص عليه في المادة 41 من ميثاق الأمم المتحدة إذا استمرت مثل تلك الأعمال”.
بالطبع لسنا بصدد لا قراءة ولا عرض قرار مجلس الأمن، فالمسألة اليمنية في سياق المبادرة الخليجية لا تعوزها البيانات ولا الاتفاقات والقرارات بل الأعمال وهذه هي القضية.
معلوم أن الذين وقّعوا على المبادرة الخليجية وقّعوا بعد ذلك على اتفاقات تنفيذية وتمثلت بالآلية التنفيذية ومدتها الزمنية. من الآلية هناك ما هو وطني ويتمثل بالانتخابات الرئاسية وتشكيل الحكومة وهناك المشاركة الإقليمية والدولية.
الإشكالية أن دول المبادرة ودول مجلس الأمن تعاملت مع هذا التوقيع كما لو أن اليمن خرج من أزمته، ولهذا اصطدمت الآلية الرئاسية بموروث الأزمة وهي بإرادة واعية تعاملت مع وضع متفجر وتمكنت بالمثابرة من إرساء الثقة بعملية الانتقال ولكنها لم تتمكن من إنجاز كامل ما كان عليها في المرحلة الأولى من العملية الانتقالية، أما بالنسبة للحكومة فهي حتى الآن مازالت اسمياً “وفاقية”، إذ لم يبادر أي من طرفي الأزمة اللذين صارا في عضوية هذه الحكومة إلى إطلاق وقفة نقدية تساعد على مغادرة رواسب المواجهة التي بدت لكل طرف، كما لو أنها مصيرية وهي كانت كذلك لأنها دارت بين مشروعين الأول مشروع ألا تكون لليمن دولة بل الفساد والفوضى وبين مشروع بناء الدولة المدنية.
أبجدية ما كان على دول المبادرة ودول مجلس الأمن أو لنقل مايطلق عليهم “أصدقاء اليمن” القيام بتشجيع ال “مختلفين” على ال “ائتلاف”، وبالنظر إلى أن أهمية هذه المسألة لا تتوقف على متطلبات إنجاز المبادرة فقط بل على استقرار اليمن، فقد كان لابد من ممارسة ضغوط وتسمية الأشياء بمسمياتها حين الوقوف على حقائق أسباب بقاء ال “شركاء” كل في طريق.
هنا قد يأتي من يقول إن هذه دعوة للتدخل في الشؤون الداخلية، والقول هكذا أمر مردود على صاحبه إذ إن الشأن اليمني في ما يعرف بالأزمة صار شأناً إقليمياً بل ودولياً يتعين تفادي مخاطره وتلافي تداعياته.
نعم هناك تحرك لدول إقليمية ودولية، لكن هذا ليس في سياق آلية العمل المفترضة في شأن تنفيذ بنود المبادرة الخليجية “الاجتهاد”، هكذا يمكن فهمه من قرار مجلس الأمن الذي التف على تزمين إنجاز المبادرة ب “تأكيده على ضرورة التنفيذ الكامل للمبادرة الخليجية وآليتها التنفيذية في الوقت المطلوب”، إذ إن السؤال هنا ليس متى يبدأ الوقت لأن الوقت يبدأ كل حين، بل متى يا ترى سيكتمل هذا الوقت المطلوب؟