Sunday, June 17, 2012

تداعيات السلوك الأمريكي في استهداف روسيا الفدرالية

المحامي محمد احمد الروسان
الفدرالية الروسية تتعامل بشكل حذر للغاية مع موضوع الملف النووي الإيراني، حيث تدرك موسكو بأنّ صعود قوّة ايران سوف يدعم جهود روسيا الفدرالية في ملفات منطقة آسيا الوسطى، منطقة القوقاز بشكل خاص، منطقة الخليج، ما يردع تمدد نطاق خطر التهديد الأمريكي ... بمقابل هذه الأدراكات مجتمعةً، تعتقد موسكوأنّ التمادي وبثبات الى آخر الطريق في دعم القدرات النووية الإيرانية قد يؤدي الى تحول الأوروبيين باتجاه المساندة القوية لواشنطن حيث يؤدي ذلك الى تحالف أمريكي - أوروبي ليس ضد ايران وحسب وانما ضد الفدرالية الروسية، وعليه قد تفقد موسكو فرصة بناء الروابط مع بلدان غرب أوروبا وهي الروابط التي يراهن عليها الروس باعتبارها أفضل الوسائل الناجحة لجهة ابعاد دول الاتحاد الأوروبي عن هيمنة الولايات المتحدة عليها.
المتابع لمسار موضوع الملف النووي الايراني حالياً يرى أنّ هناك تطورات دراماتيكية، خاصةَ بعد تصريحات الرئيس أوباما الأخيرة، والتي تزامنت مع تصريحات لوزيرة خارجيته هيلاري كلنتون، حيث أفادت من خلالها بما هو غير معلن، بأنّ واشنطن تدرك جيداً أنّ المفاوضات مع ايران سيكون مصيرها الفشل، وبأن أمريكا قد أعدّت العدّة لجهة المضي قدماً في مخطط عدم السماح لأيران بامتلاك القدرات النووية عبر وسائل سياسية – دبلوماسية براغماتية، تشي المعلومات الاستخبارية بأنّها ستكون بمضامين عسكرية تطبق في حالة الفشل في انهاء الطموحات النووية الايرانية العسكرية ... من الزاوية الأمريكية - الاسرائلية.
يعتقد الكثير من خبراء السياسة الدولية وخاصةً المختصين في حقيقة تطور مسار العلاقات الأمريكية – الروسية، أنّ موسكو تسعى لوضع خريطة طريق خاصة بها لمجمل تطورات الأوضاع الدولية المختلفة وفي ثنايا علاقات موسكو مع واشنطن من جهة الملف النووي الأيراني بما يضمن مصالح الروس اقليمياً ودولياً.
من جهة أخرى يعتقد فريق آخر من الخبراء والباحثين في مجمل العلاقات الروسية بما فيها الأمنية، أنّه من اهداف العاصمة الأمريكية واشنطن دي سي إشعال الخلافات الروسية - الروسية، ثم نقل عدوى هذه الخلافات داخل الدوما الروسي \ البرلمان وفي مؤسسات الحزب الحاكم ولجانه وصولاً الى توتير الرأي العام الروسي بعبارة أخرى العمل على فوضى خلاّقة من نمط أمريكي آخر .... فمقابل طلب موسكو واصرارها في ابتعاد واشنطن عن دعم أوكرانيا ودعم جورجيا وبالتالي توقف أمريكا عن العمل على ضمهما الى الناتو، وعدم نشر الدرع الصاروخي الأمريكي في اطار المجال الحيوي الروسي – الأمن القومي.... هناك طلب أمريكي في ضرورة ابتعاد موسكو عن دعم إيران ودعم النسق السياسي السوري.
وهناك معلومات استخبارية تؤكد التالي:-
فمن زيادة الحشود العسكرية وعمليات التعبئة الحربية في منطقة القوقاز الشمالي المواجهة للحدود الجورجية – الروسية، اضافةً الى تعزيز قدرات القوات الروسية المتمركزة في اقليمي أوسيتا الجنوبية وأبخازيا .... الى تصعيد التحركات العسكرية في المناطق القريبة من أمريكا وحلفائها الغربيين الرئيسيين، منها تصعيد عمليات تحليق الطائرات الحربية الروسية في أجواء القطب الشمالي، وانزال بعض عناصر القوات الخاصة الروسية في مناطق القطب الشمالي، ثم ارسال الغواصات الاستراتيجية الروسية الى المناطق القريبة من سواحل أمريكا الغربية.
.... فالتحركات التي قام بها لاعب الشطرنج السياسي الروسي الحكيم بوتين، لم تؤد فقط الى اجهاض أحد أهم أهداف واشنطن في الداخل الروسي، لا بل أدّت وبكفاءة عالية الى رفع مخاوف واشنطن نحو احتمالات أن يؤدي التمادي الأمريكي بثبات في استهداف روسيا الى نجاح الأخيرة في تحقيق ابعاد ألمانيا عن واشنطن، ثم تعزيز الروابط الاقتصادية الروسية – الالمانية بما يفسح المجال لأبعاد ألمانيا عن بقية دول الاتحاد الأوروبي، وعليه فانّ بقية دول الاتحاد الأوروبي لن تستطيع فك الارتباط مع الاقتصاد الألماني النافذ في أوروبا، لذلك سيكون أمام هذه الدول الأوروبية السير باتجاه واحد وهو : السير بخطى ثابتة وراء قاطرة الدبلوماسية الألمانية الداعمة لدبلوماسية موسكو وهذا يعني طلاقا بين دبلوماسية الاتحاد الأوروبي ودبلوماسية واشنطن.
وتتخوف واشنطن ايضاً من سياسات تماديها في استهداف روسيا، أن يؤدي ذلك الى تكثيف الدعم الروسي للقدرات النووية الايرانية، وضم ايران وبشكل نهائي الى عضوية منظمة تعاون شنغهاي كمنظمة اقليمية مؤثرة في منطقة دول آسيا الوسطى، وهو الأمر الذي سيقضي على تفعيل أي عقوبات دولية ضد طهران، كذلك الى الإفشال النهائي لسيناريو الضربة العسكرية لإيران سواءً أكان أمريكياً أم اسرائيلياً كأسوأ الاحتمالات.
سياسة الفدرالية الروسية المتبعة حيال موضوع الملف النووي الايراني بشكل خاص تشي الى عمل متوازن، فهي من جهة تعتمد السلوك المعلن لجهة التعاون مع المجتمع الدولي من أجل عدم السماح لطهران بامتلاك القدرات العسكرية النووية .... وفي ذات الوقت والظروف تعتمد السلوك غير المعلن لجهة مساعدة استراتيجية كسب الوقت التي تطبقها طهران حالياً وبنجاح تام .... فموسكو تقوم بتوزيع أدوار قادتها الحكماء فهي لاعب دولي يفرض نفسه بقوّة، فمنهم من يتقن الصيد \ فهو صيّاد ماهر وآخر يقوم بدور لاعب الشطرنج الماهر والذي يجيد المناورة بين الاستراتيجي والتكتيكي عن طريق تحريك القطع هنا وهناك فيما وراء الخطوط المختلفة على مساحات شطرنج المسرح الدولي!.