Thursday, May 31, 2012

حتى لا نزايد بديمقراطيتنا على ديمقراطية دول المصدر

فوزية رشيد
إن الدول الديمقراطية الأوروبية ومعها الولايات المتحدة، وهي دول المصدر لتلك الديمقراطية الغربية التي فرضت نموذجها على العالم كله اليوم على الرغم من بعض الاختلافات، تمارس الديمقراطية وفق معادلات حاسمة جازمة لا تقبل القسمة ولا التلاعب ولا التهاون:
١- الحقوق الديمقراطية مكفولة وتقابلها الواجبات في ظل الديمقراطية تجاه الوطن وتجاه حقوق الآخرين، أي الحقوق تقابلها المسئولية والواجبات.
٢- لا مجال لاستغلال أي من آليات الديمقراطية بما يمس أو يهدد الأمن الوطني أو الأمن القومي، أو يثير النعرات المهددة للسلم الأهلي أو الاستقرار، وإلا كان القانون رادعا قويا لكل متلاعب أو مخالف. أي ان الديمقراطية يقابلها القانون الرادع ومن خلال المؤسسات ولا تهاون في ذلك.
٣- الحريات مكفولة للأفراد بما لا يضر بالحريات العامة أو بحريات الآخرين، وممارستها تتم في إطار الواجب والمسئولية الذاتيين والقوانين أيضا.
٤- الولاء التام للوطن شرط أساسي من شروط المواطنة وحقوقها، ومن ولاؤه لغير وطنه ليس له حق المواطنة، أو حقوقها النابعة منها.
٥- تقاس معايير نجاح الديمقراطية بحجم الإسهام في بناء الوطن وتطويره، فالديمقراطية الغربية ليست فضاء مفتوحا للتلاعبات أو التجسس أو الولاء لغير الوطن أو ارتكاب الخيانة في حق الوطن، أو الإضرار بمصالح الدولة والناس، أو تعطيل الخدمات أو التسبب في الفتن والفوضى، أو محاولة إعاقة الاقتصاد ومشاريعه وفعالياته، أو الإضرار بالممتلكات العامة والخاصة.. كل ذلك وغيره كثير يدخل في باب الجرائم والجنايات أو في باب التخريب والإرهاب وليس في باب الحقوق أو الحريات، وفي كل الأحوال يقف القانون بالمرصاد لكل من يقوم بأي من ذلك، ويُعالَج (معالجة أمنية) وبضراوة، وخاصة لمن يقود العنف أو التخريب أو الإرهاب أو الفوضى وفق أطر فئوية أو فردية خاصة أو في إطار الفتنة أو الانقلاب على الدستور عبر العنف والإرهاب.
٦- إن المعاهدات والاتفاقيات الخاصة بحقوق الإنسان التي تلتزم بها الدول الغربية لا صلة بتطبيقها حين يحاول أي طرف داخلي (استغلالها) من أجل الإضرار بالمصلحة الوطنية العامة المدرجة فيما سبق (من ١ إلى ٥)، أو حين الإضرار بالأمنين الوطني والقومي، ولذلك حين حدثت أحداث لندن وأحداث «وول ستريت» كانت المواجهة الأمنية بل استخدام القوة المفرطة وقمع المتظاهرين طبيعيا حين امتد بهم الطموح، من أجل إعادة الحياة الطبيعية إلى مجراها، بل في بريطانيا امتدت العقوبات إلى حد حرمان المخربين من كل امتيازات المواطنة وخدماتها وعلى أساس (المواطن الصالح والمواطن الطالح)، ولم يتم وضع أي اعتبار لا لمنظمات حقوق الإنسان، ولا للاتفاقيات، ولا لحريات المتظاهرين، ولم يعتبروا ذلك خرقا للديمقراطية مثلا.
في البحرين هناك من يقع بين معادلتين كلتاهما خطأ في فهم الديمقراطية: الأولى: من جانب الدولة في فهمها للديمقراطية بأنها ديمقراطية فالتة وحريات سائبة وقانون متهاون وردع غائب، لكأن (الطيبة هي سياسة استراتيجية) تدور البحرين وحدها في فلكها من دون العالم كله، مما يدل على عدم وضوح الرؤية لدى الدولة بما يخص معايير الديمقراطية والحريات وكيفية تطبيقها، وبما يخص الحقوق التي تقابلها الواجبات والحريات التي تقابلها المسئوليات.
المعادلة الثانية: سلوك مختل من فئة تدعي أنها معارضة، ترتكب كل الحماقات والجنايات بل الجرائم باسم الديمقراطية وباسم الحريات، وفي ذات الوقت تضع الدولة في قفص الاتهام بالديكتاتورية والقمع واختراق حقوق الإنسان والبطش إلى غير ذلك من المصطلحات التلفيقية الكاذبة رغم السيولة الديمقراطية من جانب الدولة، والنتيجة أن هناك خللا فادحا في فهم هذه الفئة أيضا سواء لمعنى الديمقراطية والحريات أو للسلوكات الديمقراطية في إطار سياسي ناضج.
وما بين القصور في فهم الديمقراطية وآلياتها في الحقوق والواجبات، وما بين الحرية والمسئولية، وحيث الدولة أو الأفراد والجماعات معا من المفترض أن تلتزم بمعايير واضحة فيها، ولا نطالب في تطبيقها إلا بمعايير دول الغرب العريقة في ممارسة الديمقراطية، نجد أن الخلل أصبح أزمة، وأن أطراف من تسُمي نفسها المعارضة أصبحت أكبر مصدر تهديد للأمنين الوطني والقومي، وللمصالح الوطنية والشعبية، لأن الدولة لم تستوعب (حقوقها) كدولة مقابل واجباتها في الديمقراطية، مثلما من تسمي نفسها المعارضة لم تستوعب (واجباتها) مقابل حقوقها في الآليات الديمقراطية وآليات الحريات وممارساتها.
الدولة تمارس شيئا من التخبط في تطبيق المعايير التي تحفظ أمن البلاد واستقرارها وتحفظ مصالح الغالبية الشعبية من انفلات تلك الفئات الضالة، وأهم المعايير عدم التهاون في تطبيق القوانين الرادعة فتتهاون، والتعامل مع الإرهاب بما يستوجبه من معالجة جذرية فتتباطأ، وعدم السكوت على المحرضين فتسكت، والتعامل إلى جانب عدم تطبيق بنود الدستور بما يخص الخيانة والولاء لغير الوطن والتحريض على الفتنة وعلى العنف واستغلال المنابر الدينية.
ومثل الدولة، المعارضة الطائفية تريد الحرية المنفلتة، وعدم قيام الدولة بممارسة أي من حقوقها المكفولة دوليا حسب المواثيق، وبالتالي فإن تلك الفئة تواصل التأزيم باسم الديمقراطية والحريات، وتضرب كل أسس الدولة والوطن والثوابت الوطنية مقابل ابتزازاتها الرخيصة، أيضا باسم الديمقراطية والحريات، والنتيجة أن تضيع كل المعايير الصحيحة في هوجة (عدم النضج في الممارسة الديمقراطية) سواء من جانب الدولة أو من جانب خونة وعملاء وفوضويين ومخربين وإرهابيين يمارسون إرهابهم بكل تلك الصفات تحت غطاء آن رفعه وهو غطاء انهم معارضة ولديهم مطالب الخ.
لنصل بعدها إلى نتيجة فريدة من نوعها وهي أن كلا من الدولة ومن يسمون أنفسهم المعارضة يزايدون اليوم بالديمقراطية في البحرين على ديمقراطية الدول العريقة في الممارسة الديمقراطية، وهكذا يضيع في البحرين وفي هوجاء ديمقراطيتها الفريدة كنوع في العالم، يضيع كل ما تضعه الدول المتقدمة من معايير ومعادلات وعقوبات وروادع ما بين حقوق وواجبات بوصلتها النهائية هو الوطن نفسه وحفظ أمنه واستقراره، وحيث لا حقوق للمواطن قبل أداء واجباته، ولا حريات قبل تحمّل مسئولياته ولا حريات فالتة لأي جماعات سياسية أو حقوقية أو غيرها.
فهل البحرين دولة وشعبا مستعدة لمراجعة كل أوراقها الديمقراطية اليوم تحديدا ووضع النقاط على الحروف لنخرج من هذه الأزمات المتتالية؟