Sunday, May 20, 2012

من إرشيف الإرهاب الإيراني في الخليج العربي

داود البصري
لعل واحداً من أهم الملفات الإقليمية الشائكة والذي يحمل أبعاداً استراتيجية خطيرة على أمن الشرق الأوسط والخليج العربي، هو ملف إرهاب الدولة الإيرانية ضد أمن المنطقة وشعوبها وملف تصدير التخريب والفوضى تحت الشعارات الدينية والطائفية واستغلال الأساطير والروايات في تصدير التخريب وتعميم النموذج السلطوي الإيراني الشاذ الذي هو في النهاية والبداية مشروع قومي عنصري استبدادي أثبتت الأيام مدى خطورته ودمويته والمآسي التي انبثقت عنه وأطنان الدماء العبيطة التي سفكت في محاولات تنفيذ صفحاته وتجسيدها ميدانيا منذ عام 1979 وحتى اليوم، وملف الإرهاب الإيراني في الخليج العربي والشرق القديم والغوص فيه يعني فتحا لملفات وصحائف غدر سوداء وتاريخ أسود مخزي ملطخ بكل معاني الغدر والخديعة والجريمة بأسوأ أشكالها وأحط معانيها، كما يعني العودة لتقليب صفحات دموية مرعبة قد يحاول البعض تناسيها او تجاوزها والقفز عليها نتيجة لاعتبارات مصلحية ودبلوماسية وتكتيكية، ولكن تصريحات وممارسات أقطاب النظام الإيراني العدوانية وتطور المشروع التخريبي الإيراني في الخليج وامتداده لآفاق ومراحل متقدمة أخرى قد انعشت الذاكرة التاريخية لإرشيف الإرهاب السلطوي الإيراني الذي لن ينسى أبدا بل تظل الدماء البريئة التي سفكت على أعتابه أبد الدهر عن الثأر تستفهم.. إنه إرشيف عامر بالخفايا والخبايا والأسرار والفواجع والمآسي الإقليمية التي لم تكن ضرورية ولا حتمية ولكنها حدثت وتناسلت وتأصلت في منهجية الفكر العدواني الإيراني، وقيام النظام الإيراني بنفي الاتهامات ومحاولة تبييض صفحاته السوداء الطافحة بكل معاني وصيغ الإرهاب أمر لن يؤدي في النهاية سوى لتوثيق تلك الجرائم والتي نحاول استعراض جانبا بسيطا منها يتبين منه حجم الكوارث الإقليمية والفتنة السوداء التي تسبب بها ذلك النظام العدواني المتغطرس، فلا مجال أبدا للتملص والتهرب من الحقائق التاريخية والميدانية الدامغة المعروفة لكل ذي بصيرة ولكل من يحيط بحقائق ومستلزمات وأسس البنية التحتية للأنظمة الشمولية التي تعتبر العمل الدبلوماسي جزءا من الصورة والعقيدة الآيديولوجية للنظام، هكذا كانت سفارات المعسكر الشيوعي المنقرض، وهكذا كانت سفارات الأنطمة العربية الشمولية ودبلوماسيوها الذين كانوا من كبار رجال المخابرات والأمن والعمليات السرية، فسفارة الجمهورية العربية المتحدة مثلا أواخر الخمسينيات من القرن الماضي مارست في لبنان أدوارا مشهودة في تغذية الحرب الأهلية اللبنانية عام 1958 وكذلك فعلت في أحداث العراق الدموية المرعبة في الموصل وكركوك عام 1959، وما أتبع ذلك من انقلابات عسكرية دموية، وكذلك كانت السفارات البعثية العراقية بمثابة (عين المقر) بعد أن تحولت وحولت لاوكار استخبارية وإرهابية تمارس التجسس والقتل والخطف والتخريب كما كان حال السفارات العراقية السابقة في الكويت وعدن والرباط أو استوكهولم ولندن وغيرها، ففي الكويت مثلا كان لسفارة نظام البعث دور مركزي في اغتيال الفريق حردان التكريتي وزير الدفاع الأسبق على أبواب المستشفى الأميري عام 1971 وأمام عيون السفير العراقي الذي كان برفقته وفي سيارة السفارة العراقية!! وفي الكويت أيضا تم اغتيال ممثل منظمة التحرير الفلسطينية علي ياسين عام 1978 على يد عصابة أبونضال الإرهابية الممولة وقتذاك من العراق؟ وفي الكويت أيضا مارست السفارة العراقية جرائم الخطف والتعذيب للمعارضين العراقيين مستهترة بأمن وسيادة دولة الكويت، والأمثلة كثيرة وتحتاج لصفحات طويلة ومملة في تتبعها وتصنيفها وإحصائها، واليوم يخوض النظام الإيراني المتغطرس العدواني في المعمعة نفسها ويعود لتقمص أدوار الأنظمة الإرهابية والشمولية المندرسة، رغم أن ذلك النظام الثيوقراطي كان منذ بداياته يعتبر السفارات الإيرانية في الخارج بمثابة رسل الثورة الإسلامية مع ما يعنيه ذلك المفهوم والتوجه الاستراتيجي في الحرص على تطبيق وتنفيذ برنامج (تصدير الثورة) ودعم الجماعات الطائفية المؤيدة، وتكوين وإنشاء اللوبيات المالية والطائفية والسياسية والإعلامية المرتبطة به في دول الخليج العربي على وجه الخصوص والتحديد وكما هي الحال أيضا في لبنان والذي عن طريق سفارتي إيران في دمشق وبيروت تم التمكن من تجنيد العناصر وتأسيس الخلايا وتأسيس واحد من اهم الأذرعة الإيرانية في الشرق وهو تنظيم حزب الله والذي هو أهم مشروع تعبوي وفخر الصناعة الإيرانية، ودرة التاج الإيراني بلا منازع وقمة نجاحاته الاختراقية، وحيث لم ينجح النظام الإيراني أبدا في بناء أي مؤسسة أمنية وعسكرية مرتبطة به في الخارج شبيهة بتنظيم ومقدرة حزب الله اللبناني رغم المحاولات الإيرانية الراهنة مع التنظيمات الطائفية العراقية كحزب الدعوة أو العصائب او المجاميع الخاصة وجميعها جثث متعفنة لا تلبي ابدا الاحتياجات الإيرانية. الإرهاب الإيراني في الكويت.. تاريخ حافل... لقد حاول الإيرانيون منذ وقت مبكر التركيز على بناء شبكة محكمة لتنظيم حزب الله في الكويت والسعودية والبحرين خصوصاً ولكنهم فشلوا لأسباب عديدة رغم بعض محاولات الاختراق الناجحة في موقع هنا أو موقع هناك، وكذلك سبق لهم فعل ذلك في العراق الذي أسسوا الكثير من تنظيماته الدينية والطائفية فقسموا مثلا حزب الدعوة المتهالك أساسا لدعوات، وكونوا تنظيم المجلس الأعلى للثورة الإيرانية في العراق برغبة مباشرة من الخميني شخصيا لتوحيد الأحزاب الشيعية العراقية العاملة في خدمة المشروع الإيراني تحت مظلة واحدة برعاية المخابرات الإيرانية وبتمويل من الدولة الإيرانية، وحرصوا أشد الحرص على بناء تنظيم لحزب الله العراقي لم يستطع أبدا أن يصل لمستوى البناء التنظيمي لشقيقه اللبناني، وبرغم الاختراق الإيراني الواسع للعراق إلا أن المشروع الإيراني في النهاية هو مشروع فاشل لا يعدو أن يكون سوى وسيلة وأداة مساعدة لتقسيم وتشظية العراق وهو ما يجري حاليا تنفيذه بصورة دموية مرعبة وبشكل سيترك آثاره المباشرة على الشرق القديم بأسره، وحكاية السفارات الإيرانية ومخابراتها مع تنظيمات حزب الله المحلية واسعة جدا وتضم أحداثها وثناياها منعطفات دموية خطيرة في تاريخ المنطقة تركت بصماتها على الذاكرة التاريخية الوطنية، لقد تميز عقد الثمانينيات من القرن الماضي بحالة كبيرة من النشاط والحيوية والحركية التنظيمية للأجهزة الاستخبارية الإيرانية وكان ذلك التحرك جزءا من عملية واسعة لإدارة الصراع خلال الحرب العراقية / الإيرانية وإفرازاتها وحالة التجييش والتحشيد الطائفي التي كانت سائدة، وكانت البداية مع دعم الحرس الثوري الإيراني والمخابرات السورية لسلسلة من العمليات الإرهابية في الكويت كان أوسعها تلك الضربات الانتحارية التي نفذت في يوم 12/12/1983 والتي ضربت سفارتي الولايات المتحدة وفرنسا وبعض المنشآت الوطنية الكويتية الأخرى وخلقت حالة غير مسبوقة من التأهب الأمني في الكويت وكانت الفاتحة والمقدمة لعمليات إرهابية أخرى بلغت ذروتها مع محاولة اغتيال أمير دولة الكويت الأسبق المرحوم الشيخ جابر الأحمد الصباح في 25 مايو 1985 ونفذها إرهابي تابع لحزب الدعوة، ثم استمرت عمليات المواجهة الأمنية مع الجماعات المدعومة إيرانيا في الشوارع أيضا، كما حدث بين أعوام 1987 و1990 وهي عمليات اعترفت بها أجهزة الإعلام العقائدية للنظام الإيراني في موقع (دار الولاية) التابع لمكتب الولي الإيراني الفقيه والذي يتضمن أسماء لكويتيين وعرب مؤيدين للنظام الإيراني ومعتنقين لعقيدة الذوبان فيه، وهي مسألة معروفة للجميع وكل الأسماء منشورة لمن يود الاطلاع عليها، وطبعا خلال تلك المرحلة من تاريخ الصراع الإقليمي الساخن شهدت الكويت أيضا أعمالا إرهابية ذات طابع دولي مثل خطف الطائرات كما حدث في ربيع عام 1988 في خطف طائرة (الجابرية) الكويتية من مطار بانكوك وتبديل الطاقم الإرهابي في مطار مشهد الإيراني ثم المساومات التي أعقبت ذلك ومصرع رجلي أمن كويتيين في تلك الحادثة في مطار لارناكا القبرصي ثم انتهاء العملية بشكل غامض بعد هروب الإرهابيين في الجزائر ويعتقد أنه كان من بينهم الإرهابي الراحل اللبناني عماد مغنية، وكان هدف العملية إطلاق سراح الإرهابيين الذين نفذوا تفجيرات عام 1983 إلا أن إصرار القيادة الكويتية على رفض مطالب الإرهابيين ووفقا للشعار السائد وقتذاك (لن ننثني أو نخضع للإرهاب) قد أفشل كل الخطط الإيرانية، ولكن قيام الغزو العسكري العراقي عام 1990 هو من تكفل بإطلاق سراح القتلة الذين تم تهريبهم لإيران في لجة الفوضى التي أعقبت الغزو والاحتلال، وكانت كل تلكم العمليات بتخطيط مركزي واضح المعالم من قيادات النظام الإيراني الأمنية ومن خلال العملاء العرب العاملين معه من عراقيين ولبنانيين وخليجيين وكانت الدولة الإيرانية متورطة بالكامل في تلكم الملفات المخزية. الإرهاب الإيراني يضرب مكة المكرمة...! إن أخطر دور مارسته المخابرات الإيرانية من خلال بعثاتها الدبلوماسية كان ذلك الفعل الإرهابي في مكة المكرمة عام 1989 وفي موسم حج ذلك العام حيث تورط دبلوماسيان إيرانيان في سفارة إيران في الكويت بتزويد عصابة (السائرون على خط الإمام) بمواد شديدة التفجير من الباب الخلفي للسفارة في يوم 23 يونيو عام 1989 وحيث أدخلت تلك المواد للملكة العربية السعودية وتسببت في إحداث تفجيرات إرهابية في مكة المكرمة. وكل تلك الوقائع مسجلة ومعروفة ولا شيء يمنع المخابرات الإيرانية من تكرار ما حصل فنفس الأدوات موجودة اليوم وكل المبررات متوفرة أيضا!! وربما تكون أشد وطأة وأكثر تطورا!!، لقد فجر الإيرانيون وعملاؤهم قنابلهم في البلد الحرام وفي المسجد الحرام وفي الشهر الحرام، وتسببوا بهلاك عدد من الحجاج الإبرياء، ومن يستهين بحرمة الحرمين لن يردعه أي رادع... وقد أعلنت السلطات السعودية وقتذاك عن إلقاء القبض على الفاعلين وبعض المشتبه بهم ونفذت حكم الإعدام بحق العناصر المتورطة كما تم الحكم بالسجن لمدة عشرين عاما و 1500 جلدة . كان ما تقدم جزءا بسيطا من المأساة الإنسانية التي تسببت بها المخابرات الإيرانية في تغريرها بمواطنين كويتيين وفي تحريضها الطائفي المريض، وتلك وقائع تاريخية موثقة لا يمكن أبدا نفيها أو التجاوز على حقائقها الميدانية الشاخصة من قبل أي سفارة أو وزارة أو جهة..، لقد كانت كل المعلومات السابقة مجرد سطور قليلة في ملفات إرهاب ضخمة كانت ساحتها الكويت والخليج العربي ونفذتها إرادة الشر الإيرانية، وسنستمر في فتح ملفات الإرهاب الإيراني لتذكير الغافلين، ومكروا ومكر الله والله خير الماكرين... لن ينجح أو يفلت القتلة ودعاة الإرهاب وسيفضحهم الله أمام العالمين...