Saturday, June 2, 2012

أسبابُ عجزِ القوميةِ الفارسية عن التطور الديمقراطي

عبدالله خليفة
تشبه القومية الفارسية في لحظتها التاريخية الراهنة العصبية القومية العربية في زمن الخمسينيات. حيث المركز العسكري الشمولي في هياجه السياسي، يحركُ صخبَ الجماهير الزبدي، ويفجر معارك لا لزوم لها، معارك ضد حلفاء ممكنين، أو أناس محايدين.
ابتلاع الدولة الفارسية لبلدان الأتراك والعرب والكرد والبلوش منذ تكون الإمبراطورية البهلوية شكّل آلةً حكومة عسكرية لم تقدم أيديولوجيا قومية أو إنسانية ديمقراطية لجميع الشعوب الداخلة في هيمنتها.
الابتلاع الأول جرى في ظروف الاستعمار الكولونيالي:
(منذ عام ١٩٢٠م، باتت بريطانيا تخشى من قوة الدولة الكعبية الحاكمة للأحواز، فاتفقت مع إيران على إقصاء أَمير عربستان وضم الإقليم إلى إيران. حيث مَنح البريطانيون الإمارةَ الغنية بالنفط إلى إيران بعد اعتقال الأمير خزعل على ظهر طراد بريطاني حيث أصبحت الأحواز وعاصمتها المحمرة محل نزاع إقليمي بين العراق وإيران وأدى اكتشاف النفط في الأحواز وعلى الأخص في مدينة عبادان الواقعة على الخليج العربي مطلع القرن العشرين إلى تكالب القوى للسيطرة عليها بعد تفكك الدولة العثمانية «الرجل المريض»، وبعد ذلك عادت تسميتها القديمة الأهواز بعد سقوط الأسرة القاجارية إثر الاحتلال الروسي لإيران وتولي رضا بهلوي الحكم في إيران)، موسوعة ويكيبديا.
عملية تمدد القومية الفارسية جرت من خلال تهديدات الروس القومية المبتلعة للقوميات الأخرى من خلال شمولية رأسمالية حكومية، فقوى ذلك طابع رأسمالية الدولة الفارسية، وقدم لها الاستعمارُ البريطاني هديةً إيجابية مليئة بالنفط من أجل تقاسم النفوذ في العراق والخليج.
إن الطابع القومي العسكري لم يَهضم الحداثة الغربية إلا كتقنيات، وظل شمولياً في هيمنته السياسية الاجتماعية على الجمهور، سواء أكانت هيمنة ذكورية على النساء، أم هيمنة الارستقراطية الفارسية على الشعب وهيمنة القومية الفارسية على الأقاليم غير الفارسية.
يفاقم ذلك تباينُ النسبةِ العددية للقومية الفارسية عن القوميات الأخرى:
(عدد الفرس ٣٠% من تعداد السكان ضمن جغرافية ما تسمّى بإيران، وتشكل الشعوبُ غيرُ الفارسية النسبة المتبقية منها، وتتمثل في الآذريين الأتراك (٢٥ مليون نسمة)، الأحوازيين (عشرة ملايين)، الأكراد (عشرة ملايين)، البلوش (أربعة ملايين)، التركمان (أربعة ملايين)، إلا أن جميع السلطات في إيران تختزل في القومية الفارسية).
إن إمكانية النمو القومي الديمقراطي غير ممكنة، ولهذا فإن الأيديولوجيا القومية الفارسية الليبرالية لا تنمو، وتصطدمُ بنزعةِ هيمنةٍ كبيرة، مثل روسيا، فإذا نمت الليبراليةُ الديمقراطيةُ وركائزها من تعاونٍ إنساني وتعددية وعلمانية وحداثة فإن ذلك يعني انهيار السيطرة على القوميات الأخرى المُلحقة بالقوة للمركز.
كذلك فإن الارستقراطية الحاكمة لم تتحول لطبقة وسطى ولم تساعد على نشوء طبقة وسطى ديمقراطية، وأعطاها نمو الموارد وتحولها من الزراعة للصناعة والنفط إمكانيات كبيرة لتقوية المركز بشكل إداري عسكري.
من هنا نجد أن الارستقراطية الحاكمة تتبدل من مَلكية إلى (جمهورية) دون تغيير في العمق الاجتماعي الثقافي.
القومية الحادة والمذهبية شكلان للارستقراطية الحكومية الفارسية في نموها، فاسم الدولة (إيران) يأتي من اقتراح ألماني نازي سنة ١٩٣٦، مثلما أن خيارَ ولاية الفقيه يعكس عجز الارستقراطية القومية عن تَمثُل العناصر الديمقراطية الإنسانية سواءً في الإسلام أم في الثقافة الغربية.
العناصرُ الفاشيةُ المذهبية مكوناتٌ متداخلة ترفض العقلانية والديمقراطية وتُصعّد في الجموع الهياجَ العاطفي العصبي لتحويله لعنف، ولهذا يجري نشر هذه الثقافة خارج حدود إيران في (المجال الحيوي) وتسعير العداء القومي المذهبي.
ونظراً لضآلة عدد الفرس وعدم قدرة هذا العدد على تكوين (إمبراطورية الرايخ الفارسية) يتم تعويضه بالعنصر المذهبي حيث تتضخم القومية بشكل غير حقيقي.
لقد وجدت في المذهبية الإثني عشرية قناعاً تخفي به طابعها الاجتماعي السياسي، عبر تصعيد دور اللاعقلانية والأسطرة والعبادات الاحتفالية.
لقد شكلت لها المذهبية مخرجاً توسعياً كذلك.
كما أن وجود أهل المذهب في المناطق الزراعية المتدنية التطور يتيح للعناصر القومية الفارسية اللاعقلانية التغلغل واستغلال الكادحين والفقراء البسطاء في وعيهم وفي ظروف عيشهم الصعبة والذين لم يعبروا زمنية نهضة ديمقراطية ليبرالية.
ومع تحول هذا المشروع لآلة حربية واقتصادية كبيرة عبر الحرس الثوري يصل المشروع إلى مرحلة تنفيذ لا تجد منافذ سليمة ولا علاقات آمنة. لكونه يصطدم بالقوميات والأديان والمذاهب والدول الأخرى، فنجده ضد الغرب والعرب والشعوب في الداخل، ولهذا تحول القومية المتعصبة إيران لمشروع روسيا مستبدة عسكرية أخرى تنتظر التفكك الداخلي.