Saturday, June 2, 2012

مصر وانتخابات الرئاسة

سعيد الحمد
مصر لم تستطع أن تغادر الدائرة الضبابية في مستقبلها، فإما العودة الى النظام القديم «أحمد شفيق» أو العودة والتراجع الى الوراء «محمد مرسي»، وما بين الخيارين اللذين لا ثالث لهما هناك برلمان محكوم بالإخوان والسلفيين ولا ثالث لهما.. فماذا فعل «ربيع مصر» بمصر؟ هو أحد الاسئلة المعلقة على بوابة المعز لمن يريد ان يفهم ماذا يجري في العالم العربي، فمصر منذ بداية تاريخيها الحديث كانت المؤشر الذي تُقاس به اتجاهات المرحلة العربية في مختلف مفاصلها، لا سيما الكبيرة منها والمؤثرة، و«الربيع المصري» لاشك اختصر نتائج الربيع العربي في تحوّله الى خريف مبكر. وظن البعض ان حمدين صباحي يمثل «الربيع المصري»، وعوّلوا على نتائجه وعلى الاصوات التي ذهبت الى صندوقه حتى جاء ثالثاً بين المترشحين.. وهو ظن جاء كعزاء «للربيعين»، العرب حيث ان حمدين يمثل قوى سياسية ناصرية بالأساس، وهي ليست من صنع الربيع المصرية ولكنها امتداد للحقبة الناصرية بدرجة اساسية، وجيل حمدين هو جيل يوليو 52، وكان حضوره على الساحة السياسية قديماً يسبق الربيع المصري بعقود وهو الربيع الذي لم ينتج ولم يثمر قامة سياسية قادرة على خوض انتخابات الرئاسة والمنافسة فيها كما هو حاله مع انتخابات البرلمان، وهي الانتخابات التي خرج منها «الربيعيون المصريون» صفر اليدين، وهم الآن يفاوضون الاخوان المسلمين ويفاوضون حمدين نفسه على الاتفاق على وثيقة سياسية «ميثاق شرف» يلتزم فيه الاخوان وحمدين ببعض البنود التي تحفظ للربيعيين المصريين وجوداً في شكل المؤسسة المصرية السياسية القادمة.. ولو كان حمدين صباحي محسوباً على الربيع المصري لما فاوضه الربيعيون المصريون. ما نستطيع قوله سياسياً ان كتلة حمدين الشعبية هي الكتلة التاريخية للحقبة الناصرية بامتياز ولاعلاقة لها بكتلة شباب الربيع المصري الذي خرج من اللعبة بعد ان حرّك ميدان التحرير وانتهى دوره داخل حدود الميدان فقط. فيما تبقى المؤشرات الاخرى في الانتخابات المصرية ذات دلالات مهمة لا يجوز إهمالها أو التقليل من شأنها وهو ما يحتاج الى وقفات كثيرة تستجلي الصورة وتقرؤها سياسياً واجتماعياً، ومنها على سبيل المثال لا الحصر تراجع حظوظ عبدالمنعم أبو الفتوح وهو الوجه الاخواني الابرز، والذي شكل خروجه عن الاخوان والترشح مستقلاً في توقيت غامض حسبه البعض تكتيكاً سياسياً من الاخوان بالاتفاق مع أبو الفتوح ليتحرر من قيود الحزب ويقترب من الليبراليين والناصريين، وهو ما حدث الى حدٍ مّا حتى حسبه آخرون انه ترشح مستقلاً ليعيق وصول حمدين فيتقاسم معه اصواتاً كانت بالاساس لحمدين لو لم يترشح أبو الفتوح مستقلاً وترشح باسم جماعة الاخوان، وهي لعبة ان صحت فيها ذكاء وتكتيك عالي المستوى.. لكن ترشح ابو الفتوح وهو الحزبي القديم مستقلاً يطرح اكثر من علامة استفهام تحتاج الى تفكيك ألغازها وفتح علاقات استفهامها. وعلى الصعيد الحزبي والتنظيمي العام سيبدو الاخوان المسلمون الاكثر نفوذاً وتنظيماً والاكثر حضوراً في الساحة المصرية والاكثر قدرة على استقطاب اصوات الناخبين، لا سيما في تجربة برلمانية وانتخابية لم يختبر فيها الشعب بعد برامج الاحزاب والقوى والتنظيمات السياسية المختلفة، وهو ما ستتيحه له السانحة والمساحة الديمقراطية المنتظرة في مصر او الموعود بها الشعب المصري في استحقاق يستحقه ما لم يقفز المغامرون الى الميدان ثانية فيضعوا التطور الديمقراطي الطبيعي كما قفزوا في البحرين الى الدوار وقطعوا او بالأدق كادوا ان يقطعوا تطوراً ديمقراطياً مهماً وقلبوا الطاولة وخلطوا الاوراق ما كان له الأثر في المكاسب المتحققة ديمقراطياً على مدى العقد الماضي. ما نستطيع قوله باطمئنان سياسي ان «الربيع العربي» من وجهة نظر مدنية عطل التطور الطبيعي للديمقراطية وجاء لصالح غير الديمقراطيين، وإن كان قد نجح في مشروع «الفوضى الخلاقة»، وذلك نجاح يعود لأصحاب مشروع تلك الفوضى الذين بشّروا به قبل سنوات مضت إن كنتم تذكرون.