Saturday, June 2, 2012

من قلب تل أبيب.. بدأت قصتنا

فيصل الشيخ
لننشط ذاكرتكم قليلاً، إذ ما يحصل اليوم في الوطن العربي -والذي تقع البحرين ضمن محيطه- تحت مسمى “ثورات الربيع العربي” رغم أننا واجهنا في البحرين “خريفاً طائفياً انقلابياً”، كله يقع في إطار سيناريو أمريكي معد له سلفاً. النظرة الأمريكية للعرب تغيرت بعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر، ورغم الكارثة التي حلت بالبشر هناك في الاعتداءات الإرهابية، إلا أنها شكلت بالنسبة للأمريكان الباحثين دوماً عن مصادر الطاقة والمال والقوة والنفوذ مدخلاً مثالياً لبعض البؤر المحورية في منطقة الشرق الأوسط، فكان التوجه إلى “نفط العراق” بذريعة محاربة الإرهاب، وكان التوجه لثروات “بحر قزوين” تحت ذريعة ملاحقة أسامة بن لادن. النظرة تطورت بعد مد النفوذ وتثبيت الأذرع باختلاف أنواعها بالأخص العسكرية في المنطقة، حتى جاءت اللحظة المقررة في يوليو من العام 2006 وتحديداً من تل أبيب. في ذلك الشهر كانت وزيرة الخارجية الأمريكية كوندوليزا رايس في زيارة للأراضي المحتلة على خلفية الحصار الإسرائيلي على لبنان، حينها قالت رايس في تصريحات ضمن مؤتمر صحافي جمعها مع رئيس الوزراء الإسرائيلي إيهود أولمرت بأن الشرق الأوسط الكبير -وهي العبارة الأقدم لوصف منطقتنا العربية- سيتحول إلى “شرق أوسط جديد”. لم تكن جملة تلقى عبثاً، بل كانت تحمل مضامين هامة، وللأسف كالعادة نحن العرب آخر من يفك طلاسم الكلام الذي يلقى خاصة في الاجتماعات التي تجمع صناع القرار في واشنطن وتل أبيب. أتظنون صدقاً بأن مصلحة دول الخليج أو دول الوطن العربي تمثل أولوية بالنسبة لواشنطن إذا ما قورنت بمصلحة إسرائيل؟! في ذلك المؤتمر كشفت مسألة أكثر خطورة من مجرد ذكر المقولة، إذ المشروع المخطط له بخلق “شرق أوسط جديد” لم يكن مجرد خطة مستقبلية وضعتها الإدارة الأمريكية ليتم تطبيقها بعد سنوات، أو حتى تتوارثها إدارة تعقب إدارة جورج بوش الابن، بل في نفس المؤتمر قال الاثنان (رايس وأولمرت) بصريح العبارة بأن “مشروعاً لخلق شرق أوسط جديد قد انطلق من لبنان”. مدى التغلغل في الداخل اللبناني مازال موضوعاً يثير كثيراً من التساؤلات، لكن التحولات المتسارعة في العراق والتي وصلت بها لتتحول إلى ولاية إيرانية بامتياز من ناحية السيطرة والنفوذ، كانت كفيلة بحد ذاتها لإثبات بأن الخطة تمضي قدماً لإحداث انقلاب كبير في موازين القوى في المنطقة. أكبر الأخطار التي تهدد مشروع الشرق الأوسط الجديد كان ولايزال يتمثل في المملكة العربية السعودية باعتبارها القوة الكبرى في الإقليم، وباعتبار أن نجاح تنفيذ المخطط يعتمد على إضعاف أقوى السدود التي ستقف في وجهه. ما حصل في مصر كان استعراضاً أمريكياً واضحاً يهدف إلى إرسال رسالة لمن يهمه الأمر في الدول العربية، باعتبار أن أقوى حلفاء واشنطن الرئيس المصري السابق محمد حسني مبارك وثاني أكبر دولة متحصلة على الدعم المالي الأمريكي بعد إسرائيل وهي مصر يمكن لحالها أن يتغير بين ليلة وضحاها إن قرر البيت الأبيض ذلك. في العرف الأمريكي ليست هناك صداقة دائمة، بل المصلحة هي التي تكون أساس بناء أية علاقة، ومدى استمراريتها هو ما يحكم على العلاقة بالديمومة أو الانتهاء. أتظنون بأن الأمريكان يقبلون بسهولة أن تبسط إيران سطوتها على العراق وهو الذي تحتضن أراضيه أكبر آباء النفط العالم، دون وجود صفقة غير معلنة تؤمن للبيت الأبيض مكاسبه في بلاد الرافدين؟! من يفكر بحسن نية أثناء ممارسته السياسة، ويصدق وصف أن هذه دولة صديقة وتلك حليفة دون أن يساوره الشك بأي نسبة كانت، هو من يحكم على نفسه بالتمثل في موقف خطر يوماً ما مثلما حصل لحسني مبارك وغيره. نعم ما حصل في مصر ثورة شعب بأكمله، ونتيجة حتمية للمعاناة التي يعيشها الناس هناك، لكنها لم تكن ثورة بدون محركات بعضاً منها مخطط له وبفعل فاعل. أريد أن أصدق بأن الإدارة الأمريكية حريصة على مصلحة الشعوب وبأنها تهتم بضمان معيشة كريمة للناس في دول العالم، لكنني أرى الداخل الأمريكي وأقارن معيشة الناس هناك بحياتنا في دولنا الخليجية والعربية فأجد بأننا أفضل منهم إنسانياً. ولمن يريد التأكد مما نقول سواء على الصعيد السياسي والاجتماعي والمعيشي وحتى الصحي فليرجع لأفلام المخرج الأمريكي الشهير مايكل مور. عموماً، مشروع الشرق الأوسط الجديد كان مبنياً على تقسيم العراق لثلاثة أجزاء، في نفس الوقت تأمين مداخل لآسيا الوسطى من خلال الشرق الأوسط. دول مثل أفغانستان وباكستان وبعض الجمهوريات السوفيتية السابقة تمثل أفضل وسيلة للسيطرة على الباحة الخلفية لروسيا وريثة الاتحاد السوفيتي ومن تبقى على نفس المنهج من جمهوريات ظهرت بعد أن انهار القطب الآخر الذي كان يمثل التوازن السياسي على الخريطة العالمية. البحرين جزء من هذا المخطط، ومن يعمل اليوم من داخل بلدنا على الانقلاب على نظامه ويحاول إسقاطه بكل وسيلة يعرف تماماً تفاصيل اللعبة. نواب وجمعيات وحراك مجتمعي كانوا ومازالوا وسيظلون يدينون اللقاءات السرية والعلنية التي يقوم بها الدبلوماسيون الأمريكان في داخل حدود البحرين، سواء أكانوا في السفارة هنا أو مسؤولين زائرين بين الفينة والأخرى، مع منفذي مخطط الانقلاب. في حين أن الخطير في هذه الاجتماعات هو مضامينها الساعية للملمة صفوف مجموعات تحولت إلى فلول بعد فشل المخطط الانقلابي، كونها مرحلة متعطلة لإنهاء مهمة داخل محيط الشرق الأوسط باتجاه تحقيق التكاملية في المشروع الذي تكلمت عنه كوندوليزا رايس من قلب تل أبيب. فشل عملية البحرين يعني فشل التغلغل إلى السعودية، في حين جبهات تعمل في الكويت، بالتزامن مع مسك إيران للعراق من تلابيبه، ما يقود للجزم بأن الخطة (أ) فشلت بالتالي جاء الدور على الخطة (ب)، دون إغفال بأن الأمريكان أبداً لا يعتمدون على خطط بديلة تعد على الأصابع، بل هناك بدائل وبدائل لا تنتهي. هل سيغضب الأمريكان حلفاءنا وأصدقاءنا مما نقول؟! بالتأكيد سيفعلون، لكننا نبني ما نقوله على ممارسات تؤكد وجود تنفيذ ملموس لمخطط الشرق الأوسط الجديد، عبر التدخل المباشر في خلخلة كيانات دول، أو عبر دعم جماعات راديكالية لإحداث الفوضى الخلاقة، رغم أنها في البحرين تحولت إلى فوضى “إرهابية” والأمريكان يعرفون ذلك تماماً ولكنهم يغضون الطرف. الحديث يطول في هذا الجانب، فالملابسات عديدة وكثيرة، وطريقة عمل الأمريكان مفضوحة، هم يفضحون أنفسهم بنسبة ضئيلة، لكن الفضيحة الأكبر هي التي تأتي من قبل من يستخدمونهم في الداخل حينما يتحدثون بصوت عالٍ عن حقيقة المخطط في البحرين، وكونه في أساسه مخططاً أمريكياً، حتى المكوث في الدوار بهدف إسقاط النظام فرضية أمريكية مثلما قال عبدالهادي الخواجة. هل تريدنا أمريكا أن نتحدث عما سعت لفعله بشأن اتفاقيات السلاح مؤخراً، أم أنها تفضل استمرار الطيبين من أبناء البحرين بتصديق أنها “حليفة صديقة مخلصة” تعاملنا بمثل ما نعاملها؟!