Saturday, June 2, 2012

هل الذكاء وبال على أهله

غسان سليمان العتيبي
نعمة الذكاء تكون وبالا وشقاء على اصحابها، اذا ما خالطوا الاغبياء والجهلاء، وفطن الشاعر الى الامر ذاته فقال: «ذو العقل يشقى في النعيم بعقله.. واخو الجهالة في الشقاوة ينعم».
وهذا امر واقع وحاضر ملموس، ولا مفر للاذكياء من هذا الشقاء غير سلوك سبل المراوغة والنفاق، وعلى قولة المصريين «الاستعباط» او التغابي.. فهب انك تعمل مع رئيس لك غبي.. وحين اكتشافك لبعض اخطائه بفطنتك وذكائك اخبرته بان هذا خطأ، وما كان يجب ان يكون، ماذا يا ترى سيحل بك؟ واي جائزة ستمنح لك من هكذا رئيس غبي؟ بالطبع سيكون مصيرك الطرد، وستلفق لك ابشع التهم، وتتهم بالغباء والكسل وعدم العمل، وهذا كله لماذا؟ لانك انسان ذكي تعمل في محيط مجموعة من الاغبياء.
اما ان ادعيت الغباء، وسلكت سبل الاستعباط، واثنيت على رئيسك، واعلمته بانه المتفرد في ادارته، الفذ في ذكائه، البليغ في انتقاء كلامه.. فلا يكن عندك شك في انك ستعتلي اعلى الدرجات، وستحظى بجميع الترقيات.
ولا اكون مبالغا اذا قلت ان زمننا هذا هو زمن التغابي، ولا مكان فيه للجادين الاذكياء، فالكذب تغير اسمه فاصبح تجملا، والنفاق اصبح تجميلا للصورة وتمشية للمصالح، والرشوة اصبحت هدية.. فاصبح الذكي هو الغبي.. والغبي هو من يدعي الذكاء والفهم.
ويا ليتك تخبرني اخي القارئ كيف تعيش بغير ان تتجمل، وكيف تعيش من دون ان تتأفف وكيف تعيش بغير ان تقدم رشوة؟ وكيف ستكون حياتك ان امتنعت؟.. لا شك في انها ستكون جحيما، وتتحول كل الممكنات الى مستحيلات الا اذا قررت ان تحيا حياة الزهاد العباد.. فتقبع داخل صومعة وترتدي الصوف الخشن وتناجي ربك ليل نهار.. لعله ينقذنا من زمن الاشرار.. او تفقد عقلك وتنسى علمك.. ففاقد العقل لا يشعر بما يحاك تجاهه وما يدور حوله.. لذلك قالوا ان «المجانين في نعيم»، ولك عزيزي ان تختار ما بين فقدان العقل او الزهد.. او ان تتجمل وتستعبط وتقدم الهدايا.. لاصحاب العطايا.. اردت فقط ان اقول إن الغبي او المتغابي هو اذكى الاذكياء في زمن الاغبياء.