Tuesday, June 5, 2012

يا أطفال الحولة.. اعذرونا

محمد المحفوظ
طوال الأيام السالفة كنتُ غارقا في الحزن ومكتظاً بالأسى وفي الوقت ذاته غير قادر على تصور هول الفاجعة فضلا عن استيعابها. وشعرتُ أنّ الكلمات تهرب منيّ. ولكم يؤلمنا أنّ كارثة مزلزلة بحجم اطفال الحولة تعجزنا عما نريد التعبير عنه وايصاله وشرحه فتخوننا الكلمات وترتعش الحروف وتخذلنا في التعبير عن مكنون الذات فنكتفي بملامسة الجرح والاختزال دون الاطالة.
الجريمة المروعة بالحولة لم تجعلنا فقط عاجزين عن الكتابة بل حتى من الكلام وهل هناك مصيبة افدح من هذه المصيبة. يا إلهي.. كيف لمن يزعمون انتماءهم للجنس البشري يقدمون على اقتراف جريمة مروعة بهذا الحجم من الوحشية. هذه المرة المستهدفون (الاعداء) لم يكونوا في يوم ما قد اقدموا على تصفية خصم لهم أو تفخيخ سيارة أو تآمروا على شخص الزعيم أو مؤامرة على قلب النظام بل لم يكونوا طرفا في الخصومة بل حتى لم يشتركوا في مسيرة أو مظاهرة سلمية أو غير سلمية بل كانوا غارقين في عوالمهم الملائكية ولعبهم. ونسبة من قضوا في الجريمة من هؤلاء الاطفال بلغت على اقل تقدير زهاء خمسين طفلا ذهبوا في ليل حالك السواد.
إنّ موت هذا العدد من الاطفال على ايدي عصابات الموت والدمار بل الذئاب البشرية أكدّ لي حقيقة لم أكن على علم بها وهي انّ الظاهرة المعروفة بمصاصي الدماء الذين كنا نتفرج عليهم في السينما طوال سنوات لم تكن لعبة سينمائية أو من خيال الكتاب بل هي حقيقة تجسدت امام اعيننا بكل فظاعتها وخستها. هذه الكائنات الذين كنا نعتقد أنّها شخصيات ميثولوجية اتضح أنّ هناك من يفوقونهم في البشاعة والرعب والاجرام ممن ينتسبون الى بني البشر.
إنّ الموت ذاته امام هذه المخلوقات الطاهرة الوديعة الرقيقة يخجل الاقتراب منها وأتصور أنّه اذا ما أطل في وجوههم التي تفيض براءة وعذوبة وجمالاً فانّه ينسحب بهدوء! حتى كأنّ الموت يتحول في حضرتهم الى كائن من طراز مختلف فكيف بهؤلاء الاشرار الافاقين لم يخجلوا من فعلتهم النكراء التي تكاد السموات ان تفزع وتنفطر منها وتخر الجبال هداً؟
في كل بلاد الدنيا تحتدم الخلافات بين الاطراف المتصارعة وتتعقد الآراء وتتشابك لكنهم في نهاية المطاف يجلسون على طاولة الحوار ويبحثون عن مخارج مقبولة من الطرفين الاّ في عالمنا العربيّ فإنّ الاختلافات تتحول الى خلافات وكل فريق لا يتورع عن استخدام ما يتوفر لديه من اسلحة ولا تحل الخلافات الاّ على طريقة فتح الجمجمة أو فتح القبر بتصفية الخصم وسحله لكي تفرغ الساحة للشخص الواحد والرأي الاوحد ولكي يصول البطل ويجول منفرداً.
كثيرة هي الجرائم التي نفذت في طول الوطن العربي وعرضه وكثيرون هم عدد الابرياء الذين ذهبوا ضحية لأعمال الحمقى والمأفونين لكنّ ما حدث في الحولة السورية هو عمل خارج الدين والعقل ولا يتفق مع المنطق ولا تقره كافة الشرائع السماوية والوضعية. وكم هو صعب الاقتراب من عالم الطفولة ولعله من اصعب المهمات على الاطلاق لما ينطوي عليه عالم الطفولة من طهر ونقاء وبراءة. ولأحد الكتّاب مقولة معبّرة في هذا المجال مفادها “ انّ موت الاطفال مثل موت النجوم ومثل موت البجع الابيض ومثل موت الاسماك الملونة يخلع النفس ويطفئ ضوء الشمس.. واذا كان موت الاسماك الصغيرة هو مأساة لا يحتملها البحر فإنّ الايمان بمن خلق البجع والسمك والاطفال يبقى حبة الفاليوم الوحيدة التي نلجأ اليها لقهر مواجعنا.
وفي ضوء الفاجعة الاليمة التي هزت كياننا واقتلعتنا من الجذور تكشفت لي حقيقة ثانية وهي أنّ العرب اليوم ليسوا اكثر من دُمى في مسرح العرائس تحركهم ايدي الأمريكان كيف يشاؤون تارة وايدي الروس تارة اخرى. واذا اشار المخرج الاميركي فما علينا الاّ ان نقول سمعا وطاعة سيدنا. وليس بالضرورة ان يقنعنا الدور بل ان يرضي غروره واطماعه هو.
ويا أطفال الحولة اعذرونا فالعرب تحولوا الى موتى ويا أيّها الاحبّة الصغار سلاما.