Tuesday, June 5, 2012

نموذج لمرافعة المدافعين عن تجاوزات إيران

كمال الذيـــب
أرسل لي احد القراء ردا على السؤال الذي حاولت الإجابة عليه وهو: ماذا تريد منا إيران؟ يقول فيه: “أنتم ماذا تريدون من إيران صراحة؟ هل تريدون منها أن تتخلى عن قوتها وعن مصالحها في المنطقة لكي تعجبكم مثلاً؟ هل تريدونها أن تتخلى عن حقها في امتلاك القوة النووية؟ هل تريدونها أن تتخلى عن موقفها المقاوم لإسرائيل وأمريكا؟ هل تريدونها أن تتخلى عن المقاومة في لبنان وفلسطين وسوريا؟”. هذا ملخص التعقيب المدافع عن إيران والمليء بالانفعالات المشبعة بـ“البروباغاندا” الإيرانية المكررة والممجوجة، ومع ذلك يمكن تسجيل التوضيحات التالية: أولاً: إن العرب عامة، وعرب الخليج خاصة، قد عبروا دائماً عن استعدادهم للتعاون مع إيران لتكون جزءاً من منظمة الأمن والتواصل والتعاون في منطقة الخليج العربي، ولتكون قوة كبيرة حليفة للعرب والمسلمين، ضد الظلم الذي يلحقهم من أمريكا ومن إسرائيل خاصة والغرب عامة، ولذلك هم لا يريدون لإيران وشعوبها الإسلامية إلا الخير والقوة والكرامة والعزة، لأن أي قوة مسلمة هي عز للإسلام والمسلمين (هكذا كانت الأمور في أغلب مراحل التاريخ)، ولكن الذي حدث هو العكس تماماً، ولسنا في حاجة إلى سرد قصة تصدير الثورة من الحرب مع العراق إلى التآمر على أمن واستقرار واستقلال دول الخليج، إلى الإمعان في احتلال جزر الإمارات، إلى الاستمرار في اضطهاد عرب الأهواز، إلى التآمر مع الأمريكان على العراق وإسقاط دولته، وتقاسم الغنائم على أنقاضها، والإسهام في إقامة وبناء دولة الطوائف في هذا البلد العربي ليظل ضعيفاً تابعاً لإيران، إلى التدخل السافر في البحرين ومحاولة العبث بأمنها استقرارها، عن تمويل ودعم محاولة الانقلاب على الشرعية، إلى التجسس على الكويت والإمارات، ومحاولة إثارة النعرات الطائفية في شرق السعودية، ومحاولة بث البلبة الطائفية في مصر وفي المغرب العربي، إلى تسخير عشرات القنوات الفضائية المعادية للعرب، والمحفزة على الفتنة الطائفية، فأصبحت موضوعات من نوع سب الصحابة وتكفيرهم واتهام أم المؤمنين عائشة بالفسق على رأس جدول أعمالها، لتهدد ضمير المواطن المسلم وتسهم في التشويش على منظومة القيم التي يثق بها، مستجلبة أحداث الماضي وصراعاته السياسية لتوظيفها في خداع إخوتنا الشيعة العرب، وحرفهم عن مجراهم الطبيعي العربي - الإسلامي الأصيل، وفصلهم عن هويتهم العميقة الباقية ومحاولة ربطهم بهوية مزيفة، في محاولة يائسة للتقسيم والسيطرة عبر الخداع والتزييف وغسل الأدمغة. ثانياً: إن إيران التي تمتلك أسوأ ملف لحقوق الإنسان في العالم تتبنى قضايا حقوق الإنسان في البحرين وفي السعودية وتمول الناشطين وتعد الملفات ضد هذه الدولة، وكان أولى بها أن تحل مشاكلها مع شعوبها ومع ما تتعرض له من أنواع الاضطهاد والعسف والظلم، ولذلك لا يمكن للظالم أن ينصف المظلومين أو يقف معهم. ثالثاً: أما حكاية المقاومة ودعم القضية الفلسطينية فتلك قصة أخرى، فإن إيران قد رفعت شعار تحرير القدس وأعلنت عداءها لإسرائيل -وهذا أمر لا غبار عليه من حيث المبدأ- ولكن الكثير من الإجراءات التي يمارسها النظام الإيراني على الساحات العربية لا تنسجم مع تحقيق هذا الهدف، ومنها التدخلات السلبية في الشأن العربي. فقد شهدت السنوات الأخيرة تنامياً للنفوذ الإيراني في المنطقة العربية مع تراجع القوى القومية العربية، حيث تدير معركة “برنامجها النووي”، مستخدمة كل الأوراق، بما فيها قضايا فلسطين والعراق والبحرين والكويت وكل شيء تقريباً، وإن قراءة فاحصة في واقع النفوذ الإيراني في المنطقة، تشير إلى أنها لا تطمح لتوسيع مساحة أراضيها على حساب جيرانها العرب في الخليج العربي فحسب، بل تعمل على زيادة الخلافات الموجودة حالياً في العالم العربي؛ واستغلالها لتوسيع نفوذها، بتمسكها بـ“ورقة” القضية الفلسطينية، ودعم المقاومة، حيث دأبت على تحويل الأنظار عن الأزمات الداخلية إلى قضايا تخص فلسطين كيوم الأرض ويوم القدس وغيرها، لتستمر هذه الحركات الاستعراضية كوسيلة مثلى لوضع موطئ قدم في المنطقة العربية من جهة، وإلهاء الشارع الإيراني من جهة ثانية. رابعاً وأخيراً: إذا كان هذا فيضاً من غيض الفعل الإيراني المتراكم ضد دول الخليج، فإن السؤال يظل مشرعاً ومشروعاً: ماذا تريد منا إيران الجارة المسلمة؟ أما العرب، فإنهم لا يريدون منها إلا أن تكون قوية عزيزة تقف إلى جانب جيرانها في السراء والضراء متصالحة مع نفسها ومع تاريخها الإسلامي، ومع جوارها العربي، متعاونة، مسالمة، تبادل السلم بالسلم، والمصلحة بالمصلحة، وقد أثبت العرب عامة، وعرب الخليج خاصة، أنهم كانوا ضد ضرب إيران أو التآمر عليها، كما كانوا أول المدافعين عن حقها في امتلاك الطاقة النووية السلمية، ورفضوا أن تكون أراضيهم منطلقاً لضربها بأي شكل من الأشكال، وهذا أمر معلن ومعروف، في حين أنها كانت أول المتآمرين على العرب وأمنهم واستقرارهم (تآمرت عليهم في السابق ولاتزال تتآمر مع الشيطان الأكبر والشيطان الأصغر وجعلت أجواءها وعملاءها أو المتعاونين مع الاحتلال الأمريكي للعراق أو المتعاونين لتفكيك الدولة العراقية وتمزيق أواصرها).