Tuesday, June 5, 2012

نُذر حرب أهلية تتربص بسوريا

عبيدلي العبيدلي
تعمدت الاستماع بإنصات شديد لخطاب الرئيس بشار الأسد الأخير أمام مجلس الشعب السوري، وأتبعت ذلك بقراءة متمعنة لما ورد فيه محاولاً استنباط ما حاول الأسد أن يقوله للشعب السوري والعالم الخارجي في ذلك الخطاب المطول الذي يبدو من خلال المشاهد التصويرية التي طغت على عباراته واللغة المتينة التي سادت صياغاته، أنه كتب بعناية فائقة كي يقول كلمة واضحة للعالمين الداخلي السوري والخارجي الدولي مفادها أن مدى الصراع طويل، ومن ثم يصعب الوصول إلى نقط حسم في المستقبل القريب المنظور وربما المتوسط. ربما تكون هناك أكثر من قراءة لذلك الخطاب، لعل أهمها، لكنها ليست بالضرورة الأكثر صحة، هي تلك التي جاءت على لسان المعارضة، حيث اعتبر المجلس الوطني السوري المعارض كما قال عضو المكتب التنفيذي في المجلس سمير نشار ذلك الخطاب بمثابة “إعلان لاستمرار الحل الدموي، ولقمع الثورة بأي ثمن”، مضيفاً أن الأسد إنما “يحاول إخماد الثورة بغض النظر عن تداعيات هذا القمع على المجتمع السوري”. أما رئيس المجلس الوطني السوري المستقيل برهان غليون، فقد توقع، ولا أدري ما هي المعطيات التي قادته إلى هذه الاستنتاجات، نهاية قريبة لحكم الأسد الذي سيتجنب الجميع، حسب قوله “العمل إلى جانبه، لأنهم يدركون أنه في مرحلة نهايته”، لأن “الخطاب الذي ألقاه أمام مجلس الشعب هو ما قبل الوفاة”. الجامعة العربية، بوصف كونها إحدى الجهات الضالعة في إيصال سوريا إلى بر الأمان، اعتبرت خطاب الأسد نوعاً من المماطلة السورية في التعاون مع المبعوث الدولي العربي إلى سوريا كوفي عنان، وأكدت، كما جاء على لسان وزير الخارجية السعودي سعود الفيصل، أنه “لن تكون هناك ممارسة لأي عمل عسكري حتى تستقر الأوضاع في العالم العربي، وأننا نؤيد إقامة منطقة عازلة في سوريا يلجأ إليها المضطهدون. لكنها مسؤولية مجلس الأمن فالجامعة العربية لا تستطيع ذلك”. العجز العربي واضح هنا ولا يحتاج إلى أكثر من تأويل. لكن هناك قراءة أخرى قد تبدو بعيدة عن الواقع، وربما يعتبرها البعض ضحية النظرة التشاؤمية التي باتت تسود التحليلات الاستقرائية لمستقبل الأوضاع العربية. يحس من يعيد قراءة خطاب الأسد الأخير أن هناك مخاوف من احتمال دخول سوريا، ولفترة يصعب التكهن بها، في طريق حرب أهلية شبيهة إلى حد بعيد بتلك التي عاشتها ولاتزال تكتوي بنيرانها لبنان منذ 32 عاماً. نستشف ذلك من بعض العبارات التي وردت في ذلك الخطاب مثل قوله “إن سوريا تواجه حرباً حقيقية من الخارج ومشروع فتنة وتدمير للوطن أداته الإرهاب الذي ضرب كل الأطراف دون استثناء، ورغم أن العملية السياسية تسير للأمام إلا أن الإرهاب يتصاعد دون توقف أو تراجع”. واستطراده في الاتجاه ذاته، حين يقول “إن المهام تتجاوز الحلول وإذا كان البعض قد أرسل للشعب السوري الموت والدمار فنحن نريد أن نقدم لشعبه نموذجاً حضارياً يقتدي به لينال حريته وليصبح شريكاً في وطنه بدلاً من أن يكون الحاكم مالكاً للأرض وللشعب وللوطن وعندها ستصلنا رسائل الإنسانية من إخوة في بلدان الحرية بدلاً من نصائح الديمقراطية التي تأتينا من بلدان العبودية”. إلى أن يصل إلى القول “وأوضح الرئيس الأسد أن عدم الفصل بين الإرهاب والعملية السياسية خطأ كبير يعطي الشرعية للإرهاب التي بحث عنها الإرهابيون وأسيادهم منذ اليوم الأول للأحداث، مشيراً إلى أن الفصل بينهما أساسي من أجل فهم ومعرفة كيفية التحرك والحل”. هذه مقتطفات من ذلك الخطاب، ويمكن الاستعانة بكثيرة أخرى تكررت، كلها تنبئ بمجموعة من الإشارات التي تصب في طاحونة سيناريو احتمال تطور الصراع المحتدم اليوم في سوريا من مجرد صدامات عنيفة متفرقة إلى معارك حرب أهلية متكاملة. فالحديث عن إرهاب منظم يستمد قوته من دعم خارجي لا يمكن مواجهته إلا بتصعيد مقابل من جهة الدولة، يفصح بشفافية لا تقبل المناقشة أن سوريا مقدمة على معارك متصاعدة تنتقل من مدينة إلى أخرى، وإن كانت قاعدتها المدن الأكثر التهاباً اليوم مثل حمص وإدلب. نستشف من احتمال طول أمد هذه المواجهة وسعة ميدانها من عدم ورود أي نص في ذلك الخطاب يشير إلى أن يوم “انتصار النظام قريب”. بل نجد ما هو عكس ذلك تماماً، يتلخص في تهديدات لفظية اختيرت عباراتها بعناية فائقة كي تدغدغ عواطف أعضاء مجلس الشعب وتثير حماسهم، دون أن تقودهم إلى مشروع حاسم مؤكد. ما ينذر بتطور الأمور في سوريا إلى حرب أهلية، هو ذلك التشابه الكبير بين طبيعة الأوضاع فيها اليوم، مع تلك التي كانت سائدة في لبنان في مطلع السبعينات من القرن الماضي، وانفجارها في العام 1975، كردة فعل، لم تنبئ بوضوح عن تلك الحرب على اغتيال معروف سعيد في فبراير 1975، ومجزرة الحافلة التي كانت تقل مجموعة من الفلسطينيين المقيمين في لبنان في أبريل من العام ذاته، ولم تنتهِ حتى بعد خروج الفلسطينيين من لبنان في أواخر العام 1982. أول نقاط ذلك التشابه هو أن سوريا اليوم تحكمها، تماماً كما كانت لبنان، أقلية طائفية وصلت إلى السلطة ممتطية ظهر دبابة عسكرية، ورفضت منذ ذلك التاريخ الذي جاء بتلك الفئة العسكرية البعثية إلى سدة الحكم مشاركة أي من الطوائف أو حتى القوى السياسية الأخرى في إدارة البلاد. وأمعنت تلك الفئة في الوقت ذاته في التمتع بامتيازات مالية واجتماعية كثيرة سلبتها من قوى اجتماعية قائمة، وحرمتها على أخرى هي اليوم في طريق الازدهار والبروز. ثاني عناصر التشابه، هو حاجة إسرائيل إلى ضمان استمرار جبهة الجولان هادئة لا يعكر صفو ذلك الهدوء أية عمليات، مهما كانت شكليتها وصغر تأثيراتها، تضطر إسرائيل بموجبها إلى اتخاذ إجراءات عسكرية تضيف إلى أثقال الحكومة الإسرائيلية أعباءً جديدة غير قادرة على تحملها بفضل تردي الأوضاع الذاتية في إسرائيل، والتي تعبر عنها مجموعة الاحتجاجات على ظروف المعيشة جراء تدهور الاقتصاد الإسرائيلي من جانب، وعدم قدرة إسرائيل على وضع خطة مواجهة مع الخصم العربي، الذي لاتزال رياح التغيير تهب على أراضيه فاتحة المجال أمام احتمالات سياسية متنافرة من جانب آخر. ثالث تلك العوامل، هو النتائج الأكثر احتمالاً التي ستسفر عنها انتخابات الرئاسة المصرية، وهي فوز جماعة الإخوان المسلمين هناك في الانتخابات الرئاسية، الأمر الذي سيمد الجماعة في سوريا بمزيد من الأمل في الوصول إلى السلطة في سوريا، ومن ثم سيصعد من طبيعة الصراع من جانب، لكنه سيثير خلافات قوية داخل صفوف المعارضة من جانب آخر، الأمر الذي من شأنه تفتيت بؤر الصراع وتحويلها من مجرد صدامات بين طرفين أساسيين، كما هو عليه الحال، إلى حد بعيد اليوم، إلى جزر متناثرة من الصدامات غير القادرة على الحسم في ما بين الأطراف المتصارخة، حتى داخل المعارضة ذاتها. سُحب حرب أهلية سوداء تخيم على أجواء سوريا، ندعو الله أن تغير من اتجاهها فتكفي السوريين شر الاقتتال وتوفر عليهم دفع ضرائب باهظة غير طبيعية وغير مطالبين بتسديدها.