Tuesday, June 5, 2012

مجلس الشعب السوري وسنن التدافع

عبدالله الكعبي
بكثير من العطف وشيء من الشفقة تابعت خطاب رئيس النظام السوري وهو يفتتح دورة جديدة من دورات مجلس الشعب الذي يبدو أنه لا يمثل سوى أركان النظام وبعض الأذناب الذين وصلوا كما يقال إلى كراسي المجلس عبر التصويت الحر والمباشر. بشار وهو يفتتح أعمال المجلس حاول أن يعيش أجواء ذلك المساء من عام 1999م عندما قرر نفس المجلس وفي ظرف نصف ساعة فقط تغيير دستور سوريا بكاملها وإلغاء تاريخها وراء ظهره عندما عدل البنود التي كادت أن تمنع بشار من حكم سوريا ووراثة أبيه المؤسس الجديد لهذه الجمهورية الديمقراطية.
الوعود التي حاول بشار في بداية عهده أن يلمع بها صورته التي كان من المفترض أن لا تشبه صورة والده سيء الذكر، ذهبت أدراج الرياح عندما واصل السير على درب الفساد السياسي والإداري والمالي وأورد سوريا موارد الهلاك وحولها من قلعة للصمود والتصدي إلى مجرد أرض مشاع لكل الطامعين في التمدد والتوسع وأيضاً سوراً حصيناً لحماية العدو الإسرائيلي مع الإبقاء على خط الفقر الذي أصبح كل السوريين يعيشون دونه.
عند وفاة الأب بشكل مفاجىء واستلام الابن للسلطة بتلك الطريقة التي رسمها المجلس الذي استخدم صلاحياته في تمثيل الشعب أحسن تمثيل، لم يكن ممكناً قياس ردة الفعل الشعبية على ما جرى من مهازل صاحبت تغيير بنود الدستور وفرض الخليفة الجديد بقوة السلاح وليس القانون. الامتعاض المصحوب بالغصات والحسرات هو أقصى ما كان يملكه الشعب السوري للتعبير عن تلك المأساة، فلم يكن بالإمكان في ذلك الوقت التعبير بالطرق التي أصبحت اليوم متوفرة. وبالرغم من ذلك كان بإمكان حزب البعث السوري الحاكم أن يستغل الفرصة ويجدد بنيانه الذي كان من الممكن أن يصمد أكثر مما هو عليه الآن. فسنة التدافع التي كان بالإمكان تطبيقها على الحزب ولو بصورة محدودة كانت ستضمن للحزب سنوات إضافية لم يعد بالإمكان توفيرها اليوم. غير أن النظام السوري في ذلك الوقت لم يكن ليتقبل رئيساً من غير عائلة الأسد نظراً لارتباط مصالح كل أعضاء الحزب وليس السوريين بتلك المنظومة التي سيؤدي تداول السلطة فيها ولو كان على النطاق الضيق إلى تحول ديمقراطي قد يجرهم إلى ما لا يحمد عقباه.
الأسد الذي وقف أمام مجلسه الخاص المسمى بمجلس الشعب لم يكن بذلك العنفوان الذي كان عليه حتى في أيام الثورة الأولى، فالهزال والتعب والإرهاق والخوف كان مرتسماً على تقاطيع وجه الشاحب الذي ينذر بمستقبل مظلم للحزب الحاكم ولكل أعضاء المجلس الذي يسمى تجاوزاً بمجلس الشعب.
ما قاله الأسد في خطابه لم يلامس ما يجري على أرض الواقع وهي السمة التي تحلى بها كل الطغاة الذين رفضوا رفضاً قاطعاً الاعتراف بما يجري أو حتى النظر في الحلول التي يمكنها أن تعطي كل ذي حقاً حقه مع الاحتفاظ بهامش ولو صغير من الربحية من مثل النجاة من القصاص أو الاحتفاظ بالأموال المنهوبة التي تغص بها البنوك الغربية أو على أقل تقدير الدعوة لحوار حقيقي مع الشعب الذي يجب أن يجلس ممثلوه على المقاعد التي يشغلها اليوم العملاء والشبيحة.
اعتقد أن الأسد لو كان رئيساً حقيقياً ومنتخباً من قبل الشعب لما رضي على نفسه أن يقف مثل ذلك الموقف المخزي ولما تكلم بذلك اللسان الأعجمي الذي لم تكن من بين مفرداته أي كلمة عربية مفهومة بالرغم من وقوفه على منبر عاصمة اللغة العربية الأولى. فالشارع الملتهب والتظاهرات اليومية المستمرة والقتلى الذين يسقطون بالمئات في كل يوم، لم يلهموا الرئيس ولم يكونوا حاضرين في خطابه الذي واصل فيه التوهم بمستقبل زاهر لسوريا والسوريين الذين عليهم وعلى حد تعبيره التصدي للتدخل الأجنبي والقضاء على المؤامرة التي يقودها بعض الإرهابيين في الوقت الذي تناسى فيه كل عمليات الإرهاب التي ترتكبها مليشياته وعملائه وشبيحته والتي لم ينجوا منها طفل ولا امرأة ولا شيخ ولا حتى المباني التي تحول معظمها إلى أثر بعد عين.