Wednesday, June 20, 2012

مصر بين ثورتين

رشيد حسن
المتابعون للشأن المصري، يعتبرون هزيمة الفلول في انتخابات الرئاسة “ بموجب الارقام غير الرسمية حتى الآن “ وفوز “مرسي” مرشح الاخوان المسلمين ، تجديدا وانقاذا لثورة 25 يناير المجيدة، اذ انحاز الشعب المصري “لمرسي” ليس لانه اخوان ، بل لاسقاط الفلول، وهم يحاولون من جديد العودة الى الحكم ، واستنساخ تجربة مبارك وبصورة أكثر سوءا وظلاما .
تجديد الثورة ، أو انقاذها بعد محاولة اجهاضها ، يؤكد عدة معطيات أهمها: أن عقارب الساعة لن تعود الى الوراء ، وأن الشعب المصري لن ينحر ثورته بيده، وانه مصمم على التمسك بها، وتجذيرها في ارض مصر الطيبة، حتى تؤتي أكلها باذن الله، كرامة وحرية وعدالة اجتماعية.
ان استعراض الوقائع والاحداث في بر مصر، يؤكد أن القوى المعادية للثورة لم تسلم ، ولم ترفع الراية البيضاء، بل هي مستمرة في التأمر لاختراق الثورة، واجهاضها، تساعدها القوى العربية المتضررة من الثورة “ البترودولار” والقوى الدولية وعلى رأسها واشنطن والعدو الصهيوني ، الذي كان ينتظر لحظة فوز ممثل الفلول ليسكب الشمبانيا في شوارع تل ابيب، ومن تابع الصحف الاسرائيلية، يلاحظ أن أول المتضررين من الهزيمة ، هو العدو الصهيوني، فالفلول هم اتباع مبارك “الكنز الاستراتجي” لاسرائيل على حد تعبير بن اليعازر، الصديق الحميم للطاغية.
ان تجديد الثورة ، يفرض على الاخوان المسلمين اعادة دراسة تجربتهم من جديد، للاقلاع عن الاساليب القديمة القائمة على الاستحواذ والاقصاء ، كما اتضح خلال الفترة السابقة “ الاستحواذ على مجلس الشعب والشورى ولجنة الدستور” وان يستفيدوا من الدرس التونسي ، حينما رفضت “ النهضة” الاستئثار بالسلطة ، واصرت على مشاركة الاحزاب الاخرى، فانتخب ابن جعفر رئيسا للهيئة التأسيسية ، والمرزوقي لرئاسة الجمهورية، وكلاهما من الاحزاب القومية واليسارية.
فوز الاخوان بمنصب رئيس الجمهورية ، هي سابقة في تاريخ مصر وفي تاريخ المنطقة كلها، وهي بمثابة امتحان “للجماعة” ليخرجوا من حوصلة الحزبية وشرنقتها الضيقة، الى فضاء المواطنة الرحب، والاخوة الحقيقية ، والشراكة بين كافة ابناء الوطن لبناء مصر الحديثة، وهذا يتطلب من رئيس الجمهورية ان يبادر فورا الاتصال والتشاور مع كافة فعاليات الثورة، مع شبابها و مفكريها واحزابها، مع الرموز “حمدين وابو الفتوح” لتشكيل مجلس للرئاسة يضم ممثلين عن كل الاطراف ، وان يبادر بتعيين نواب لرئيس الجمهورية ، يمثلون الاقباط والمرأة والقوميين وشباب الثورة.
ان كل الانظار تتجه الى مصر ، تراقب وتعد كل شهيق وزفير للاخوان ، وهم يعرفون ذلك،ما يفرض عليهم أن تكون أعمالهم بمستوى الوطن والامة كلها ، وليس على مستوى الحزب والجماعة ، فعليهم ان يترجموا عملا لا قولا، العدالة والمساواة والمواطنة ، وان يحافظوا على الحقوق المكتسبة للمرأة المصرية في نضالها الطويل وعلى تكريس الدولة المدنية في كافة اعمالهم وقراراتهم، مستفيدين من تجربة “النهضة” في تشريع الدستور التونسي لاطفاء لهيب الفتنة ، وللتأكيد على ان مصر دولة مدنية، وليست دولة دينية.
مهمات صعبة وشاقة تنتظر الرئيس الجديد، أهمها أن يفي بما وعد به الشعب المصري ، باعادة محاكمة جنرالات الداخلية ، والحكم عليه بما يستحقون لتقر عيون الشهداء ، واستئصال بقايا الفلول والفاسدين ، واسترداد ثروة مصر المنهوبة ، وتوطيد الامن والاستقرار، وتوفير الحياة الكريمة للشعب المصري .
وعلى الصعيد العربي نأمل أن تعود فلسطين الى الصدارة ، وألاّ يتخلى الاخوان عن موقفهم المعلن، وألاّ ينحازوا لحماس على حساب غيرها، بل للقضية كلها ، للحق الفلسطيني ، لتحرير القدس والاقصى ، وعودة اللاجئين ، لدم شهداء الجيش المصري الذين استشهدوا من اجل فلسطين، ولتعود مصر الى وضعها الطبيعي في صدارة القوى المدافعة عن فلسطين العربية، وكافة قضايا الامة، في حق الشعوب في الحرية والكرامة وتداول السلطة ، رافضة التدخل الخارجي في الشؤون الداخلية العربية ،واستعادة الجامعة العربية بعد ما تم خطفها من قبل الاخرين.
باختصار.....مصر امام مفترق خطير، والاخوان امام اخطر تجربة في حياتهم، نجاحها مشروط بترسيخ الدولة المدنية الحديثة.. دولة المواطنة لا دولة الرعايا ، دولة القانون والعدالة والمساواة والحرية والكرامة وتداول السلطة ، ما يفرض طي صفحة الحزبية والفئوية الضيقة ، واحترام ارادة الشعب المصري وارادة الثورة والثوار، والامتثال لشروط الديمقرطية ،التي اتت بهم ، والقادرة على استبدالهم، ان هم أساؤوا لها ولقيمها ومضامينها النبيلة، ولكل حادث حديث.