Wednesday, June 20, 2012

ضبابية سياسية فلسطينية

فايز رشيد
أعلن الرئيس الفلسطيني محمود عباس من باريس في المؤتمر الصحفي المشترك مع الرئيس الفرنسي فرانسوا هولاند، عزم السلطة الفلسطينية التوجه إلى الجمعية العامة للأمم المتحدة لطلب وضع دولة غير عضو لفلسطين بسبب عدم التمكن من الحصول على اعتراف كامل في مجلس الأمن.
ما قاله رئيس السلطة يتعارض مع ما كان عباس يريد فعله قبل نحو عام: التوجه لمجلس الأمن للحصول على عضوية كاملة لفلسطين في الأمم المتحدة.
وبسبب من التقصير في الأصوات في المجلس (8 بدلاً من 9)، أعلن أبومازن أن السلطة ستتوجه إلى الأمم المتحدة لحسم هذا الأمر، وستكون فلسطين الدولة رقم (194) في الأمم المتحدة، وأضاف قائلاً: وفي حالة فشل هذا الهدف، فستقوم السلطة بحل نفسها.
ما الذي استجد حتى يغير رئيس السلطة توجهاته السياسية بالقبول بعضوية غير كاملة لفلسطين، في الوقت الذي عارضت فيه ذات السلطة الضغوط الكبيرة، وبخاصة من الولايات المتحدة الأمريكية ودول السوق الأوروبية المشتركة للقبول بعضوية منقوصة على غرار الفاتيكان وسويسرا؟ من الواضح أن الرئيس عباس يتراجع عن الطلب من عضوية كاملة إلى دولة غير عضو. أبو مازن أيضاً تراجع عن حل السلطة وهو الذي وعد باتخاذ خطوات من قِبَل السلطة الفلسطينية ستعمل على تغيير وجه المنطقة، ثم لم نسمع عن اتخاذ أي خطوة تغييرية من تلك التي وعدت بها السلطة. في ذات السياق، تأتي اشتراطات الرئيس الفلسطيني بالنسبة إلى الاستيطان، فهو الذي وعد بعدم الدخول في مفاوضات مع “إسرائيل” في ظل الاستيطان، ثم عاد وتراجع عن ذلك في مفاوضات عمّان التي جرت مع “إسرائيل” في جولات عدة وسميت “بالاستكشافية”، ثم التراجع جاء أيضاً في ما عرف ب “مفاوضات الرسائل”. هذه التراجعات والانحسارات هي دليل ارتباك سياسي فلسطيني. بمعنى آخر، فإن السلطة الفلسطينية عاجزة عن السير في التكتيك السياسي الصحيح. وكدليل أيضاً على هذا الارتباك أنه في الوقت الذي وسّع فيه نتنياهو من قاعدة ائتلافه الحكومي لتصبح بأغلبية (94 نائباً من أصل 120) فإن رئيس السلطة قام بتشكيل حكومة جديدة بدلاً من حكومة ائتلاف تنفيذاً لاتفاق القاهرة للمصالحة الفلسطينية، الأمر الذي جعل معظم الفلسطينيين عديمي ثقة بكل اتفاقيات المصالحة التي يجري توقيعها.
في ظل عدم الوضوح السياسي الفلسطيني، فإن الوضوح في أعلى درجاته يتمثل في ما يتخذه نتنياهو من قرارات وبخاصة في موضوع الاستيطان, فبالنسبة إلى البؤر الاستيطانية (التي بناها المستوطنون الصهاينة بعيداً عن المخطط الاستيطاني للحكومة “الإسرائيلية”)، وعد رئيس وزراء العدو بأنه ومقابل كل بؤرة استيطانية ستزال فإنه سيقوم ببناء عشرة مبانٍ استيطانية في المستوطنات القائمة في الضفة الغربية، وبالفعل (وفي يوم الأربعاء 6 يونيو/ حزيران الحالي) ألحق نتنياهو قرار الحكومة السابق ببناء 300 بيت استيطاني في مستوطنة بيت إيل، ببناء 551 بيتاً استيطانياً آخر في خمس مستوطنات ليرتفع بذلك عدد البيوت التي أقرّها تحت ستار زوبعة إخلاء خمسة مبان سكنية إلى 851 بيتاً. وقد وصف نتنياهو هذا القرار باعتباره تعويضاً لعصابات المستوطنين الإرهابية عن قرار الحكومة الانصياع لقرار محكمة “إسرائيلية” بإخلاء خمسة مبانٍ في البؤرة الاستيطانية.
الضبابية السياسية الفلسطينية تنطبق أيضاً على الارتباك السياسي الذي أبدته السلطة في ما يتعلق بتصريح الرئيس الأمريكي أوباما أمام زعماء الاتحاد الأرثوذكسي اليهودي في الولايات المتحدة (وقد اجتمع بهم في مكتبه البيضاوي في البيت الأبيض)، عن رئيس السلطة بأنه ليس معنياً باتفاق سلام مع “إسرائيل”. ما إن بدأت الصحف “الإسرائيلية” في تداول هذا التصريح الأسبوع الماضي حتى سارع مسؤول ملف المفاوضات في السلطة الفلسطينية إلى نفي هذا التصريح جملة وتفصيلاً (بدأ عريقات مؤلف كتاب: الحياة مفاوضات، في تصريحه وكأنه المتحدث الرسمي باسم الإدارة الأمريكية وباسم أوباما شخصياً). يومان فقط مضيا على تصريح عريقات حتى قام أمين عام الرئاسة الفلسطينية الطيب عبدالرحيم، ليصرّح: “إن الرئاسة تحذّر من تكرار سيناريو التخلص من الرئيس الراحل ياسر عرفات”، ملمحاً بالطبع إلى تصريحات أوباما تلك التي تصب في السياق.
بدلاً من كل هذا الارتباك السياسي الذي تبديه السلطة الفلسطينية في أكثر من قضية، فإن السلطة مطالبة بنزع الأوهام من عقول قادتها بإمكانية جنوح “إسرائيل” إلى السلام، وبخاصة بعد أن أثبتت الإحصاءات أن “إسرائيل” سرقت ما نسبته 78% من أراضي المناطق المحتلة عام، 1967 لتصبح نسبة ما سرقته من مساحة أراضي فلسطين التاريخية 85% بمعنى أن لا مجال لحل الدولتين (فلا دولة فلسطينية قابلة للحياة على مساحة صغيرة)، والسلطة مطالبة أيضاً بإلغاء نهج المفاوضات مع “إسرائيل” وعدم المراهنة على (حيادية) الولايات المتحدة واعتماد نهج المقاومة المسلحة ضد الكيان الصهيوني.