Wednesday, June 20, 2012

الثورة لم تكن مجرد هبة غضب

عاطف الغمري
الأمر الذي لا خلاف عليه، أن ثورة 25 يناير لم تكتمل ولم تحقق أهدافها التي تجسد روح مصر وأماني مواطنيها التي أعلنت في الثمانية عشر يوماً الأولى من الثورة. وما كان يمكن للثورة أن تكتمل إلا إذا أديرت شؤون البلاد، والتعامل مع أحداثها باعتبار ما حدث هو ثورة، وليس مجرد هبة غضب، يمكن إطفاء شعلتها، بحركة تصحيحية محدودة.
ويخطئ من يحاول إقناع نفسه بذلك، فما حدث في 25 يناير كان مدفوعاً بطاقة دافقة من عاملين يحركانها معاً، الأول أن ما جرى في مصر هو فعل جماهيري تراكمت في وعيه أسباب تصنع مئة ثورة، وليس ثورة واحدة، وهو حدث له سوابق مماثلة في تاريخ مصر الحديث، أبرزها ثورة 1919 التي خرجت جماهيرها بالطريقة نفسها وبلا قيادة مركزية في كل مدن وقرى مصر، متمسكة بهدف وطني التف حوله الجميع، لكنهم عوضوا غياب القيادة، باختيار سعد زغلول رمزاً وزعيماً للثورة، بناء على مواقفه الوطنية الصريحة.
العامل الثاني، أن الثورة جاءت تتحرك ضمن تيار التغيير الذي اجتاح العالم منذ بدء عصر ثورة المعلومات في أول التسعينات، بما حمله من تغييرات جذرية في مفاهيم الحكم والإدارة، والعدالة الاجتماعية، واعتبار الديمقراطية شرعية أي نظام حكم، وإنهاء حالة من العزلة فرضت على مصر، تحول بينها وبين التأثر بقوانين العصر.
وقامت الثورة تعلي صوت الشعب منادياً بإسقاط النظام، ليس لأفراد على قمة السلطة، وإنما كمنظومة كاملة للتفكير والسلوك.
لكن شيئاً من هذا لم يتحقق، مما يعني أن أسباب الثورة مازالت قائمة، ولما كانت الثورة بطاقتها الكامنة فعلاً مستمراً، فإن المشهد السياسي في مصر  رغم أي شيء  دخل مرحلة من التفاعل بين عناصر متعددة، بعضها يتناقض ويتصادم مع البعض الآخر، وبعضها يتلاقى ويتواءم مع عناصر أخرى.
وفي قلب عملية التفاعل هناك من يطمح إلى الإبقاء على النظام السابق، وهناك من يدعو لإسقاط النظام، وإعادة بناء الدولة، على أسس صحيحة.
إن حالة التفاعل هذه تنتقل بنا إلى المرحلة الانتقالية الثانية والحاسمة، حتى ترسو سفينة الوطن على شاطئ اكتمال الثورة، وفق المبادئ المعلنة في الثمانية عشر يوماً الأولى منها.
معنى ذلك أن هذه التفاعلات، إذا قارناها بتجارب ثورات أخرى في العالم يفترض أن تعيد تشكيل الخريطة السياسية بكاملها، من داخل المشهد السياسي الذي تنشط فيه مجموعة من القوى مثلاً:
1- شباب الثورة الذين تعرضوا لخطط ترمي إلى دفعهم إلى الإحباط، وتصويرهم في نظر الناس على أنهم المتسببون في المشكلات التي يعيشونها، بينما لم يكن لهم نصيب في الحكم، ولا ناقة لهم ولا جمل، ومع ذلك فإن الإحباط لم يصل بهم إلى الانسحاب من المشهد، ولاتزال لديهم القدرة على استجماع طاقتهم من جديد.
2- قوى منظمة ارتكبت أخطاء فادحة، أربكت العملية السياسية برمتها، حين حاولت أن تجعل لأهدافها التنظيمية الأفضلية على الأهداف الوطنية الجماعية لعموم المصريين، ولعلها تكون قد استخلصت الدروس والعبر من وقائع الفترة الأخيرة.
3- حركات سياسية ليس لها انتماءات حزبية راسخة، افتقدت في الفترة الماضية القاعدة التنظيمية التي تمكنها من أن تكون فاعلة، في ضبط التوازن في المشهد السياسي ولعلها تعيد تنظيم نفسها بشكل يجعلها فاعلة.
4- بقايا النظام السابق، مدعومة بالتنظيم السري  شبه العلني لمرتزقة البلطجية، الذين كان أمن الدولة يوظفهم في تزوير الانتخابات والتحرش البدني بالحركات الاحتجاجية، والذين استمر دورهم بعد الثورة تستخدمهم قوى الثورة المضادة.
ولم يكن يخفى على وعي المصريين الذين خرجوا في 25 يناير من أجل التغيير، وكذلك من كانوا يتابعون ما يجري في مصر، من مراكز الرصد والدراسة العلمية المجردة في أوروبا وأمريكا، أن ثورة مضادة تدار بخطط محكمة، ابتداء من يوم 11 فبراير/ شباط ،2011 لجعل الحياة اليومية المعيشية للمصريين حالة لا تطاق ولا تحتمل، وهذه المراكز نظمت ندوات وورش عمل، وحلقات دراسية، اتفقت جميعها على أن مصر سوف تزدهر داخلياً، وتستعيد مكانتها إقليمياً ودولياً، لكن ذلك  في تقديراتهم  مشروط بإسقاط النظام، وليس بمجرد إزاحة رئيسه، واستكمال طاقة الأهداف التي أعلنت في ميدان التحرير.
هنا  لا نستطيع أن نتجاهل أن القوى الكبرى وخاصة أمريكا، إضافة إلى “إسرائيل”، كانت ولاتزال تترقب ما سوف تنتهي إليه الثورة، سواء بانتصارها، أو بتعويقها بخطة الثورة المضادة لكي تحدد بعدها اتجاه سياساتها نحو مصر والعالم العربي، ورغم إقرار هذه المراكز بخطورة ما تفعله الثورة المضادة، إلا أنها ظلت متمسكة باقتناعها، بأن ما حدث في مصر ثورة متكاملة، سوف تفرض إرادتها في النهاية، وأن سلوك الثورة المضادة يبقى عبارة عن ارتعاشات جسد موصوم بالعداء للشعب، والولاء لمصالحه الذاتية.
في نفس الوقت فإن “إسرائيل” اعتبرت أن انتصار الثورة  على هذه الصورة  يمثل أكبر تهديد لها، لأن اكتمال أهدافها، سوف يعدل ميزان القوى لمصلحة مصر والعرب، وهو الميزان الذي ظل مائلاً لمصلحة “إسرائيل” منذ قيامها عام 1948. ولم يستطع قادة “إسرائيل” إخفاء طبيعة علاقتهم بمبارك التي وصفوها بالتحالف الاستراتيجي.
إن نتائج اكتمال أهداف الثورة، ستكون متعددة الأبعاد، فهي تبدأ بمثابة البناء في الداخل، ثم بما تشعه مصر في هذه الحالة على محيطها الإقليمي   الذي سيؤدي إلى استعادة زمام القرار السياسي إلى يد الشعوب، بما يعبر عن الأهداف الوطنية الحقة، وإعادة مصر والمنطقة العربية إلى احتلال مكانتها في إدارة النظام الدولي الجديد التي كانت مستبعدة من ترشيحات المؤسسات الدولية لها قياساً على افتقاد النظام الحاكم في مصر للشرعية بمقاييس هذا العصر المتغير، وعزلتها عن ركب الدول الصاعدة في آسيا وأمريكا اللاتينية.