Sunday, June 3, 2012

مغردون أم حكواتيون

محمد المحفوظ
الجدل الذي يدور اليوم حول المواقع الالكترونية “التويتر” بالتحديد يؤكد أننا تحولنا الى مجتمع حكواتي يبحث عن بطل وهميّ ليشبعه لطماً وتجريحاً . واذا كان حكواتيو الأمس قد انقرضوا فإنّ حكواتييّ هذه الايام بعضهم يلبسون الاقنعة و بعضهم يتخفون تحت مسميات مجهولة ويرفعون لافتات الحداثة والمعاصرة لكنهم لا يمتون لها بصلة. هؤلاء الحكواتيون سينقرضون أيضاً لانّ ممارساتهم ضد العقل والمنطق وضدّ التاريخ .
نفهم أن يعبّر الانسان عن قناعاته ووجهات نظره لكننا لا نفهم أن تتحول مواقع التواصل الاجتماعيّ الى ساحة لكل من هب ودب يصول ويجول فيها بلا حسيب ولا رقيب يمارس فيها ما يشاء بالإساءة لمن يختلف معه في الرأي حيناً وبالتهديد حيناً آخر والتسخيف لآراء الاخرين تارة اخرى ويستثمره البعض الآخر لتشويه من يتبنى وجهة نظر مفارقة له ويوظفه آخرون سبيلا للشهرة .
العرب اليوم يصنفون أنّهم من اشدّ الشعوب استخداماً للأنترنت لكنه للأسف البالغ أنّ الاغلبية منهم تستخدمه في اغراض دنيا كالدخول في المواقع الاجتماعية وثلة منهم في مشاهدة الافلام الاباحية ومقاطع اليوتيوب وقسم كبير من المنتمين للامة تصرف اوقاتها في مسامرات البالتوك التي تتسم اغلبها في الجدالات العقيمة. والاخيرة بصراحة لا تقرّب بين المختلفين بقدر ما توسع الهوة بينهم وتفضي الى الأحقاد والحساسيات والاضغان بين ابناء الامة الواحدة بل بين  المذهب الواحد !
انّ المواقع الالكترونية اضحت تحفل بالمنظرّين والمحللين والنقاد والسياسيين لكن المتابع المدقق لها يلفت نظره طغيان الانتقاد والانتقاص وكأننا نعيد انتاج ما كان سائدا في فترات من تاريخنا العربي والاسلامي من سفسطة ابان قرون المناظرات الانشائية حيث يقضي الادباء والعلماء جُلّ اوقاتهم في اللغو الفارغ . والمحزن انّ النتيجة من كل هذا ليس الا هشيما تذروه الرياح .
ويذهب نفرٌ من مفكّري الامة وعلمائها اليوم الى أنّه اذا كان العرب في الماضي يتكلمون لغة عربية واحدة فانّ الانترنت اليوم جعلهم يكتبون كما يتحدثون باللهجات المحلية ثقافة ودجل وحكي وتنظير بلا اي وظيفة اجتماعية عدا التسلية واستهلاك الوقت كما فعل شهريار في يوم وليلة . ويبدو السؤال حول الموضوعات التي تعالجها مواقع التواصل الاجتماعي وجيها الى ابعد الحدود . على سبيل المثال لماذا لا يعالج المغردون القضايا المصيرية الكبرى التي تمر بها الامة والمعيقة للتنمية والتقدم كالفساد الذي يضرب مفاصلها او معضلة البطالة بما تشكله من اعاقة للتطوير أو مشكلة بحجم الفقر ويتجهون الى مسائل هامشية وشخصية جداً لا تنتج سوى الاضرار على الافراد والامة .
في دولة خليجية شقيقة اثيرت قضّية جدلية كان موضوعها المرأة. وقد يتصور الكثيرون أنّ المغردين طالبوا برفع الظلم الواقع عليها أو اعادة الاعتبار اليها واسداء حقوقها كما اشار اليها الدين الاسلامي لكنّ الواقع كان مغايرا لهذا تماماً اذ انقسم المجادلون الى فريقين وكل فريق استخدم كل ما توفر لديه من اسلحة وكأنّهم في معركة كسر عظم هي اشبه بالحروب التي تشنها قبائل الماو ماو. الغائب الاكبر من مواقع التواصل الاجتماعيّ القضايا الفكرية الجادة وتراجع هموم وآلام وهواجس الطبقات المعدمة ومسائل الاصلاح السياسي والاقتصادي .
وفي الحالات النادرة التي يخصص فيها بعض الكتّاب الموضوعات  الاجتماعية والحقوقية فإنها للآسف البالغ لا تلقى الحماس والاستجابة . وهو ما يكشف عن خلل عميق وفادح لدى النخب والجماعات المثقفة وعلى فقدان البوصلة لدى ابناء الامة بأجمعهم من جهة وعلى الفوضى في ترتيب الاولويات من الجهة الثانية .
ما يحسب لمواقع التواصل الاجتماعي انّها الغت تحكّم ادعياء  الثقافة المهيمنون على صفحات الفكر في الصحف والمجلات وما سادها من شلليه بغيضة حتى وقت قريب .اليوم وفي ظل هذا الانتشار الكاسح للشتكنولوجيا فانّه بإمكان اي اشخص ان يكتب ما يشاء من قضايا دون خوف من أحد .وقد تحدث تغريده سطحية فجّة من احدهم جدلاً كبيرا وسجالا ثقافيا وردود فعل متباينة تمتد لأيام وربّما اسابيع .