Sunday, June 3, 2012

مصر والتجربة الديمقراطية

د.عمران الكبيسي
ما كنت أعيب على الإخوان المسلمون ترشيح أنفسهم لسباق الرئاسة، ولا استنكرت ترشيح شفيق بدعوى الفلول، ولا اعترضت على أحد بسبب سمته طالما ارتضى المصريون الاحتكام إلى الصندوق خيارا ديمقراطيا يرجح الأغلبية ولو بصوت واحد، فالخيار الديمقراطي يفترض حرية الترشح وحرية اختيار الناخب لمرشحه. وإنما اعترضت على الخيار الديمقراطي وأنه ليس الأفضل لشعب يشكو الكفاف وتؤثر في كسب الأصوات أكياس البطاطس والسكر واللحمة، ويُؤثِر الولاء والانتماء المناطقي والطائفي للثقة ويُشاح عن مرشح الخبرة والعطاء، وإن كنت لا أعد الخيار الديمقراطي أسوأ الخيارات.
الخيار الديمقراطي في مصر ليس الأفضل، ورأينا ما يدور ويحصل، فالمجلس العسكري، ولجنة الانتخابات العليا، والقوانين والأنظمة، والإمكانات اللوجستية، والأجهزة والكوادر التي تتولى القيام بالعملية ليست قادرة على الإيفاء بمتطلبات الخيار الديمقراطي وجعل نتائجه الأفضل قبولا لدى الشارع، ولا تحقق أعلى نسبة من الرضا. وكيف يتحقق الرضا في انتخابات سمح فيها لمن لا يحق له الإدلاء بصوته بالتصويت كما حصل مع بعض فئات العسكر، ومنع من يحق له ذلك من المدنيين؟ والشواهد تثبت هناك أموال وزعت، وأصوات اشتُريت، ومخالفات حصلت، ومراقبين لم يتسن  لهم الاطلاع على سير العمليات بما يكفي للحكم عليها.
لقد انسحب من السباق محمد البرادعي المرشح وكان الأفضل يوما بنظر الناس على منافسة مبارك لعدم توافر المناخ للفعل الديمقراطي، واستبعد المرشح أيمن نور الذي سُمح له في عهد مبارك بالترشح ومنافسة مبارك الذي فصل نظام الانتخاب على مقاسه، ومنع من الترشح في زمن الثورة وممارسة الحريات، أليس هذا وجها من وجوه التناقض؟ كما استبعد مرشح الإخوان خيرت الشاطر بسب حكم قضائي جائر لمقاومته مبارك واعفي منه وهو باعتقاد الجميع أفضل وأقدر من بديله محمد  مرسي، فهل يوجد أكثر من هذه التناقضات حدة؟ واستبعد عمر سليمان ببساطة تثير الشبهات، وأن وراء استبعاده لعبة لا نصفها بالقذرة ترفعا، بل لعبة شيطانية لصالح شفيق وقد يأتي يوما رئيسا للوزراء لو فاز شفيق! واستبعد المرشح السلفي أبو إسماعيل لاكتساب أمه المصرية ولادة ودما بظل ظروف غير طبيعية الجنسية الأمريكية وهي جريرة لم يقترفها، مع أن أوباما المسلم المهاجر الكيني الأفريقي ينتخب رئيسا لأمريكا أعتي دولة عظمى، أليس هذا من تناقضات الممارسة الديمقراطية ببلادنا؟ ألا تؤكد المتناقضات أن الظروف غير مواتية لتحكيم الخيار الديمقراطي؟ وكيف يكون الأفضل في جولة انتخابية ثانية امنح فيها صوتي لمن حجبته عنه في الجولة الأولى لاعتقادي انه لا يستحقه؟
بفعل هذا المناخ غير الملائم للديمقراطية في مصر اليوم نجد غالبية ثوار الربيع الشباب دعاة الديمقراطية وروادها ودعاتها وسدنتها يشجبون نتائجها ويدعون إلى تكتلات وتوافقات مكتوبة، ومقايضات أبعد ما تكون عن أسس المناخ الديمقراطي الانتخابي، تستبق نتائجه المرة المذاق ورائحتها المريبة؟ فماذا لو أسسنا على سبيل المثال ليس إلا- لأنفسنا شورى النخبة، ووزعنا المجتمع إلى مائة حرفة وشريحة  مثقفة أشبه بالنقابات والجمعيات مهندسين وحقوقيين وأطباء وجامعيين وصناعيين وزراعيين وعمال وطلبة وخصصنا لكل شريحة مثقفة مرشحين ذكور وأنثى ليمثلوا مجلس النواب وينتخبوا من بينهم رئيس الدولة ورئيس الوزراء، وأسسنا لأنفسنا ديمقراطية محلية خاصة بنا تناسبنا وتنسجم مع ظروفنا؟ عوضا عن ديمقراطية مستوردة جاهزة، يتساوى فيها العالم والجاهل بصوت واحد ويحسب فيها الغائب كالحاضر.
وماذا لو فاز شفيق بالرئاسة هل سيكون بين الرئيس والإخوان بمجلس النواب تعاون بعد عثرات الزمن الغابر ومخلفاته، أم يزداد الشد والجذب والارتباك كما هو سائد، وهل سيكون هناك توازن ديمقراطي فاعل بين اتجاهات الشارع المصري ومركز السلطة واتخاذ القرار فيما لو فاز محمد مرسي مرشح الأخوان؟ تحياتنا لشباب ثورة  أكتوبر ونقول لجميع اللبراليين والقوميين واليساريين والمستقلين  الحريصين على الديمقراطية الغربية “هارد لك” تعيشون وتأكلون غيرها!
ما كل ما يتمنى المرء يدركه  ***  تجري الرياح بما لا تشتهي السفن