Sunday, June 3, 2012

أضواء على محاكمة القرن

عطا السيد الشعراوي
أسدل الستار أمس على فصل مهم من فصول محاكمة القرن بحكم تاريخي بالسجن المؤبد ضد الرئيس المصري المخلوع “حسني مبارك” ووزير داخليته حبيب العادلي ، مع تبرئة نجلي مبارك جمال وعلاء من إحدى قضايا استغلال النفوذ بسبب انقضاء المدة وهي عشر سنوات على تلك القضية ، إضافة إلى تبرئة مساعدي وزير الداخلية من التهم المنسوبة إليهم في ذات القضية التي عرفت بموقعة “الجمل “ التي قتل فيها نحو 850 متظاهر إضافة إلى آلاف الجرحي .
سوف تتفاوت الآراء وتختلف المواقف إزاء هذا الحكم ، وخاصة أن هذا التفاوت أصبح سمة مميزة للحياة المصرية في أعقاب ثورة الخامس والعشرين من يناير في ظل الفهم الخاطئ للبعض لمفهوم حرية الرأي والتعبير والنظر إلى جميع القوانين على أنها تقيد حريته ولا تتفق مع ثورته وهو أمر يزيد من المشكلات ويصعب من الوصول إلى اتفاق حول العديد من القضايا المختلف عليها.
وإجمالاً ، يمكن القول إن هذا الحكم التاريخي هو درس جديد في استقلالية القضاء تقدمه مصر للعالم بعد دروس عدة في نزاهة الانتخابات وشفافيتها ومن قبلها سلمية وطهارة الثورة على الظلم والفساد ، ولا ينتقص من أهمية هذا الحكم انتقاد البعض له بعد تبرئة علاء وجمال مبارك ومساعدي العادلي .
فمن المعروف أن القاضي محكوم بما يقدم إليه من أوراق ثبوتية وأدلة وبراهين حتى وإن تعارضت مع قناعاته الراسخة ، وهو ما سار عليه المستشار أحمد رفعت في حكمه ضد المتهمين أمس .
ولا يحق لنا أن نثير الشكوك التي لا داعي لها في هذه المرحلة الخطيرة والحساسة من تاريخ مصر في هذه المحاكمة حتى لا نظل أسرى قضية واحدة هي بالنهاية ليست أهم ولا أخطر من مستقبل مصر .
ولا يجب أن ننسى أن الحكم قد صدر وكان بالإمكان أن يتم تأجيله إن كانت هناك نية بالفعل في التلاعب بمشاعر الناس والمماطلة إلى مالا نهاية أو على الأقل لحين انتهاء انتخابات الرئاسة المصرية بعد أقل من أسبوعين والتي ربما تأتي برئيس من اتباع حسني مبارك وهو الفريق أحمد شفيق وعندها قد تموت تلك القضية للأبد.
كما أن الحكم بالسجن المؤبد على مبارك تحديدًا يضعف من فرص فوز شفيق برئاسة مصر ، حيث سيؤدي إلى مخاوف الكثيرين من قيامه بالعفو عن مبارك في حالة فوزه وبالتالي قد يتجه هؤلاء إلى المرشح الأخر وهو الدكتور محمد مرسي الذي لم يحسن في نظري استغلال هذه القضية حيث صرح قبيل المحاكمة والنطق بالحكم بأن مبارك سيظل حبيس السجن إلى الأبد  وهو تصريح لا يحترم أحكام القضاء أولاً كما أنه يعبر عن وجود نوايا للتشفي في مبارك وأعوانه وهو أمر لا يجب أن يسود مستقبل مصر بعد أن تسبب هذا التشفي والانقسام في أزمات كثيرة وأطال من أمد الفوضى والضبابية في الحياة المصرية .
والقاضي الذي حكم بالسجن المؤبد ضد رئيس النظام ويده الطولى قادر على أن يحكم ذات الحكم أو اشد منه  ضد من هم دونهما من أمثال مساعدي العادلي ونجلي مبارك .
وعليه ، يجب أن تتحلى نظرتنا للحكم الصادر أمس بالنظرة الموضوعية وعدم الانجراف وراء عواطفنا أو الانسياق لرغبتنا في الانتقام من نظام أقر القاضي نفسه بفساده وظلمه وتسببه في كوارث لا حصر لها على الصعيدين الداخلي والخارجي وهو أمر يحسب للقاضي حيث بدا الحكم وكأنه محاكمة لعهد مبارك الذي حول مصر من دولة قائدة مركزية إلى دولة تابعة منقادة ضعيفة التأثير ومحدودة الفاعلية وكثيرة الأزمات الداخلية وأثقلت مواطنيها بالأعباء المادية والنفسية .