Sunday, June 3, 2012

بلادي وإن هانت علي عزيزة

أحمد جمعة
لم أجد وصفاً للخيانة أدق من هذا. «قد أختلف مع الحاكم وقد أمقته وأمقت حكومته، قد يظلمني وطني، قد أحيا غريبا فيه بسبب ما ألقاه من أبناء قومي وأبناء جلدتي، لكن ما من عرف أو دين أو عقيدة أو فكر يبرر لي خيانة وطني. إنه العار نفسه أن تخون وطنك، إنه عار لن يكتفي أن تلبسه وحدك بل حتى جميع أهلك وذريتك، سوف ينظر لهم الناس شزرا، سوف يزدرونهم، ليس لأن الناس أشرار، بل لأن الجرم الذي اقترفته عظيم، وعظيمٌ جدا، لذا فأنت به تظلم نفسك وأهلك فوق ظلمك لوطنك وأهل وطنك، وما من شيء يغفر خطيئة خيانة الوطن». يقول الشريف قتادة أبوعزيز بن ادريس :
بلادي وأن هانت علي عزيزة  ***  ولو أنني أعرى بها وأجوعُ
ولي كف ضرغام أصول ببطشها  ***  وأشري بها بين الورى وأبيعُ
تظل ملوك الأرض تلثم ظهرها  ***  وفي بطنها للمجدبين ربيعُ
أ أجعلها تحت الثرى ثم أبتغي  ***  خلاصا لها؟ أني اذن لوضيعُ
لا يوجد تعريف للخيانة سوى قراءة هذه القصيدة ولو بحثنا في كل القواميس العربية والأجنبية عن المعنى للخيانة فلن نجد سوى مقارنة هذه القصيدة بفعل شنيع كهذا الذي رأيناه في البحرين منذ 14 فبراير 2011 وما تلى ذلك بعده من تداعيات، انا هنا لا اصيغ الخيانة واربطها بالشباب والأطفال والشيوخ ممن ظللوا وورطوا في تلك الاحداث، فهؤلاء مغرر بهم ولا علاقة بين فعل الخيانة وهؤلاء ومن الظلم حتى مجرد التفكير في هذا الربط، هذا الأمر واضح ولكن المقصود بالخيانة أولئك السياسيين والحقوقيين والصحفيين الذين باعوا البحرين للأمريكي والايراني والسويسري وأي أجنبي له علاقة ببيع البحرين بأرخص من التراب في سوق بيع الأوطان الدولي مع سبق الاصرار والمعرفة وهناك من قبض نقداً وهناك من قبض في شكل تذاكر سفر واقامة في فنادق ومصاريف يومية وغيرها من الدفع سواء بالدولار أو بالجنيه الاسترليني او بالتومان الايراني. يعرفني القارئ سنوات طويلة، لست من العاطفيين ولا المتحمسين ولست من الشوفينين القوميين المتعصبين فقد كان لي معهم حروب طويلة منذ الناصرية والبعثية ولهذا عندما اقف اليوم في خندق الوطن ومع شعب البحرين بأغلبيته السنية والشيعية والمسيحية واليهودية وبقية القوميات والتي لن أطلق عليها بالأقليات لأن الشعب واحد ولا توجد اقليات الا بقدر الولاء للوطن والوفاء له ومناسبة هذا الكلام اليوم أن احداً من الذين لم يتركوا فرصة ولا موقفا ولا مناسبة الا وشهروا في البحرين ولم يتركوا فرصة الا واجتمعوا مع الاجنبي وحرضوا حتى على غزو البحرين وقف منذ ايام يتباكى على اتهامه بالخيانة ولم أكن قد التفت اليه أو اشعر بأنه خان الوطن أو ما يشبه ذلك لو ترك الأمر ولم يثره ولم يحركه ولكن ما دام حرك الأمر فالمثل يقول من فوق رأسه ريشة يتحسسها وأنا اقول من فوق رأسه خيانة يتحسسها. لا نريد اليوم الدخول في حراك قومي ولا لغوي ولا فلسفي حول مدلول الخيانة دعوا المستقبل المنظور يحاكم هؤلاء ودعوا الاجيال القادمة من هذا الشعب تقرر مصير هؤلاء لا اطلب محاكم ولا شهودا ولا حتى اتهامات لأي انسان بقدر ما نترك التاريخ يحكم وهو حكم لا أظن أنه سهل بقدر ما حكم التاريخ، فالخائن «فيشي» في فرنسا المتعاون مع النازي كان حكم التاريخ عليه أصعب من حكم الشعب. ان خيانة الأوطان هي الجريمة الكبرى في التاريخ وبقدر ثقلها بقدر وطأتها على الانسان فاتركوا الأمر للتاريخ يحكم على من باع البحرين للأمريكي والايراني وغيرهما، فقط استغرب من شيء واحد أمر بمستوى الخيانة في حد ذاتها هو دعوة الخائن للحوار معه.