Saturday, June 9, 2012

التقاء مصـالح أمريكا وإيران في شخصيـة المالكي

جريدة اليوم
تمثل قصة نوري المالكي رئيس الوزراء العراقي الدلالة الكبرى على مدى النفوذ الإيراني في العراق وكذلك على مدى التقاء الأعداء «إيران وأمريكا» على مصلحة واحدة، وهي بقاء المالكي في الحُكم، وهي من القصص الكلاسيكية في السياسة الدولية التي تتعدّد فيها الأحداث وتتأزم لدرجة الانفجار، ثم تحدث المفاجأة في الخاتمة حيث تتقاطع السوريالية السياسية مع الواقع والمشهد السحري لتبقى الحبكة الدرامية غامضة في النهاية على أمل كتابة جزءٍ ثان من القصة.
نوري المالكي جاء لرئاسة الوزراء بعد ان تمّ إقصاء الجعفري إثر رفض الأحزاب العراقية له واختاروا المالكي بديلًا بموافقة امريكا وايران لاعتقادهم أنه شخصية ضعيفة بالإمكان اللعب معه سياسيًا دون إرهاق أو مجازفة، لكنه سرعان ما أدار اللعبة وحده ووضع القواعد التي تناسبه وحده، وأحاط نفسه بمستشارين ومكتب سياسي وعسكري انفرد فيه بالحكم ووقع الاتفاقية الأمنية مع أمريكا بعد مناورات عديدة، ووضع خطة أمنية في بغداد أنهك فيها خصومه من ميليشيات شيعية وحركات إسلامية سنية ليحتكر لنفسه القوة وهمّش من جاءوا به للحكم من الأكراد، وكذلك التحالف الوطني مثل أتباع الحكيم والصدر، وحين ادرك الجميع خطورته واستفراده بالحكم حاولوا جمع التواقيع للإطاحة به عبر نزع الثقة البرلمانية لكنه سرعان ما بدأ المناورة السياسية، وأغرب ما في الأمر هو التقاء إيران وامريكا مرة أخرى على شخصيته ومحاولتهما إحباط العملية الديمقراطية من خلال نزع الثقة وتنحيته وهو ما يُثير الاستغراب وكأن هناك تفاهمًا سريًّا يتم بين هاتين الدولتين مما يؤكد شكوك العراقيين والدول العربية مما يجرى بين إيران وأمريكا والمدى الذي يمكن أن تصل إليه مصالحهما في حال اتفقا سياسيًا على حساب الدول العربية ودول الخليج بالتحديد، والمدى الذي يمكن أن يصل إليه البازار السياسي في صفقات البيع والشراء من تحت الطاولة.
تحالف غريب لحماية رئيس وزراء ديكتاتور رفضه حلفاؤه وخصومه العراقيون، ومع ذلك يحاولون فرضه على الآخرين، وكأن ذلك مقدّمة لأيام قادمة تحدث فيها تسويات خطيرة نأمل أن يعيها العرب جيدًا ويدركوا خطورتها خصوصًا إذا حدثت تفاهمات في الملف النووي الإيراني وهو ما قد يؤثر على وضع الثورة السورية.
المالكي نموذج على عدم نزاهة اللعبة السياسية وكل مَن يعتقد أن الدول تحرّكها المبادئ يعيش في وهمٍ كبير، إنما المصالح هي المحرّك الرئيسي للدول الكبرى والإقليمية.