Monday, May 14, 2012

دسائس ضد الحرية في حكومات ديمقراطية

أسامة الشريف
لا توجد دولة في العالم تمارس الديمقراطية بشكل مجرد، لاننا لا نعيش في عالم مثالي. في بريطانيا، ام الديمقراطيات، تكشف الصحافة عن فضائح سياسية وخروقات للقوانين ومؤامرات لمصادرة حرية الناس تحت مسميات مختلفة. مؤخرا نشرت الصحف البريطانية اخبارا عن خطة حكومية تمنح صلاحيات استثنائية لوكالات الاستخبارات الوطنية لتمارس الرقابة على الانترنت وعلى كافة اشكال الاتصال الرقمي تشمل كل فرد في المملكة المتحدة. هذا الكلام ليس جديدا فهناك توجه دولي لتنظيم استخدام الانترنت من قبل اتحاد الاتصالات الدولي التابع للامم المتحدة. ومن المفترض ان يتخذ هكذا قرار في نهاية العام في مؤتمر ينعقد في امارة دبي. المعارضون لمثل هذا التدخل الفج كثر وعلى رأسهم شركات الكترونية عملاقة مثل «غوغل» وبعض الوكالات التابعة للحكومة الامريكية. لكن كثيرا من حكومات العالم تؤيد تحرك كل من الصين وروسيا الهادف الى تنظيم الانترنت من خلال فرض رقابة وتغيير معايير التواصل الالكتروني بين الناس. في بريطانيا يقود مخترع الشبكة العكنبوتية وهو السير تيم بيرنرز لي حملة شعبية لاجهاض مخطط الحكومة. وقد قدم مرافعات قانونية مقنعة تثبت ان فرض الرقابة والتحكم بالانترنت يمثلان خرقا واضحا لحقوق الانسان والمعاهدات الدولية وضربة قاسمة لطبيعة الشبكة العنكبوتية التي يتعامل معها اليوم اكثر من بليوني شخص. هذا السجال الدائر يؤكد نظرية مفادها ان الحكومات على اختلاف اشكالها تخشى الحرية، وانه كلما لاحت ازمة سياسية او امنية لجأت الحكومات الى فرض الرقابة وتقنين حرية الافراد حتى لو تطلب ذلك خرق القوانين او التحايل عليها وتعديلها. فعل ذلك الرئيس جورج بوش الابن بعد هجمات الحادي عشر من سبتمبر عندما اجبر الكونغرس على سن قانون «باتريوت» الذي سمح للاجهزة الأمنية بالتنصت على المكالمات الهاتفية للمواطنين وتعقب تحركاتهم على الشبكة ومراقبتهم دون اللجوء الى القضاء ولمجرد الاشتباه بهم. ولايزال هذا القانون مفعلا رغم مرور اكثر من عقد على اقراره. كل حكومة لديها اسبابها الخاصة لتفعيل الرقابة على الانترنت والاتصالات الرقمية التي تعتمد عليها. وليس من الصعب فهم دوافع الصين وروسيا من وراء فرض هكذا رقابة. المشكلة هي في الحكومات الديمقراطية مثل امريكا وبريطانيا. يحذر تيم بيرنرز لي من اعتماد هذه الاجراءات التي تضع المعلومات الشخصية لكل مواطن في يد موظف حكومي قد يستفيد منها لاغراض خاصة به. الحكومات بطبيعتها فاسدة وكما يقال فان السلطة المطلقة مفسدة مطلقة. قبل ايام نشرت صحيفة «الغارديان» البريطانية تحقيقا حول آلاف الوثائق الحكومية البريطانية والتي تعود الى خمسينات وستينات القرن الماضي والتي تم الافصاح عنها بقوة قانون حق الحصول على المعلومة. حاولت الحكومات البريطانية المتعاقبة اخفاء هذه الوثائق بل انها دمرت جزءا كبيرا منها باوامر مباشرة من موظفين كبار. الوثائق تفضح ممارسات الحكومة البريطانية ووزارة المستعمرات تجاه ثورة «ماوماو» في كينيا وانتفاضة الوطنيين في ماليزيا (الملايو) واسرار ترحيل سكان جزيرة دييغو جارسيا، المؤجرة للامريكان، في المحيط الهندي. تكشف الوثائق ان بريطانيا وامريكا تعاونتا في ملف مراقبة الطلاب الكينيين الذين كانوا يدرسون في الولايات المتحدة في الستينات ومن بينهم باراك اوباما الأب الذي اعتقلته السلطات البريطانية في نيروبي وسجنته وعذبته. كما تكشف الوثائق عن قتل وتعذيب ممنهج للثائرين على الحكم الاستعماري البريطاني لكينيا، وعن ترحيل اجباري لسكان جزيرة دييغو جارسيا وعن ارتكاب مذبحة بحق ثوار في ماليزيا! حاولت حكومات بريطانية متعاقبة دفن هذه الملفات وتأخير الافصاح عنها بحسب القانون حماية لمصالح بريطانيا العظمى وحتى لا يرفع ضحايا الامبراطورية قضايا مدنية ضدها في محاكم لندن. والسؤال: كم من الملفات المتعلقة بالقضية الفلسطينية ومرحلة الانتداب البريطاني لفلسطين لاتزال حبيسة الاقبية في ريف انجلترا؟ وهل سيأتي اليوم الذي يكشف فيه النقاب عن هذه الملفات اذا لم تدمر كلها؟ الديمقراطية مسألة نسبية وبين فرض الرقابة على الانترنت والجلوس على ملفات ووثائق تاريخية يخفي جرائم بحق الانسانية خيط رفيع. الصحافة الحرة هي التي كشفت أمر وثائق الخارجية البريطانية والتعاون الاستخباراتي بين ليبيا القذافي والمخابرات البريطانية والترحيل السري لمشتبه بهم الى دول صديقة وحليفة لتعذيبهم لحساب وكالة الاستخبارات الامريكية وغير ذلك من الملفات. علينا ان نتصدى لكل محاولات فرض الرقابة على الانترنت لأن دوافع الحكومات واحدة في نهاية المطاف!