Monday, May 14, 2012

معارضة فوق مستوى النقد

سعيد الحمد
هكذا تُقدم المعارضة البحرينية نفسها وهكذا تمارس السياسة دون أن تتيح لكوادرها وجمعياتها العمومية أن تمارس حقها في النقد أو في مساءلة اداء قيادات جمعياتها او مكاتبها السياسية او امانتها العامة وهي أبسط الحقوق الديمقراطية المفقودة والمسحوبة قسراً داخل هذه الجمعيات التي صدعت رؤوسنا برفع شارات الديمقراطية وعجزت عن ان تُطبقها داخل حدودها وبين أروقة جمعياتها، فوقعت في آفة ما تستنكره وراح الناس يتساءلون بسخرية مرة اذا كانت هذه الجمعيات تصادر حقوق اعضائها وتمنع النقد والمساءلة فكيف اذا ما تولت سلطة او قيادة جهاز من الأجهزة الرسمية؟؟ فالمعارضة وبعد اربعة عشر شهراً من عمر الأزمة الطاحنة لم تعد مؤتمراً عاماً او تدعو لمؤتمر استثنائي يتيم لدراسة وتقييم ادائها وادارتها للأزمة طوال هذه المدة بل رفضت بتعنت بعض دعوات بعض اعضائها الذين طلبوا ذلك، وقامت بتهميشهم واقصائهم واثارة اللغط والتشكيك في دعواتهم لتظل بعيدة متعالية عن المساءلة والنقد الذاتي الذي لا يمكن لأي تنظيم سياسي مهما كان ان يتطور ويتأهل ويرتقي بدونه.. ذلك ان النقد والنقد الذاتي هو عصب التنظيم السياسي الحيوي الديناميكي القادر على تصحيح اخطائه وتطوير أدائه وبناء ذاته وفقاً لمتغيرات لحظته وتطورات ساحته مهتدياً في ذلك ببوصلة أخطائه المرتكبة وهي اخطاء لا يمكن لأي تنظيم مهما بلغ به تضخم ذاته إلاّ وان يرتكبها ويقع فيها، وبالنتيجة يحتاج الى مكاشفة بها وخطوات لتصحيحها حتى يجدد ذاته وأداءها. وفي مقارنة سريعة بين الحكومة وبين المعارضة في تقييم ودراسة اداء كل طرف للازمة سنلاحظ دون كبير عناء كيف مارست الحكومة نقداً ذاتياً عملياً تبلور وتجسد في اكثر من خطوة وعبر اكثر من مشروع، بدءاً من تكوين اللجنة الاممية للتحقيق وصولاً الى تشكيل اللجنة المتابعة لتطبيق توصيات التحقيق مروراً بخطوات تصحيحية كثيرة لا يمكن حصرها او عدها تأتي جميعها تحت عنوان النقد الذاتي وتصحيح الاخطاء والسلبيات وقصور الاداء الحكومي في ادارة الازمة وعلاجها يتقدم كل ذلك اعادة المحاكمات واعادة المفصولين الى اعمالهم واطلاق اكثر من مبادرة للمصالحة الوطنية «لم تستجب لها المعارضة وفقاً لموقف التعالي عن النقد الذاتي والمساءلة والتصحيح». فيما ظلت المعارضة بكامل فصائلها تدير الازمة وفق التصعيد ووفق رؤى ومواقف يوم 14 فبراير من العام الماضي بما يعني انها «المعارضة» اصبحت جوهر المشكلة والازمة بدلاً من ان تكون وفقاً لموقعها ودورها الوطني المأمول جزءاً من الحل وهو ما لن يتأتى لها ما لم تمارس نقداً ذاتياً صريحاً مباشراً وقوياً لا يجامل اداءها طوال شهور الازمة التي نلاحظ ان المعارضة في جميع خطاباتها وبياناتها تنصلت عن مسؤولية اسبابها وألقت بالاسباب جميعها وبالتبعات كلها على شماعة الحكومة حتى تظل بعيدة عن النقد والمساءلة وحتى لا تمارس المراجعة وهي عنوان اساسي من عناوين كل تنظيم وكل مؤسسة سياسية تطمح لتطوير ذاتها والتماس مع تطلعات المواطنين وتشوفاتهم، وهي تطلعات وآمال محكومة الآن وفي هذه اللحظة البحرينية بالخروج من نفق الازمة الى سطح الحياة وهو ما تمتنع المعارضة عن المساهمة والمساعدة فيه بإصرارها على تمسكها بالرفض وعلى اسلوب التصعيد الذي تمارسه الآن وكل ذلك ناتج وهو إفراز سيئ من افرازات الامتناع عن نقد الذات ورفض كل دعوة من داخل تلك الجمعيات نفسها لتقييم ونقد اداء جمعياتها بما جعلها لا ترى إلاّ ذاتها في مرآة ذاتها واخرجت جميع المكونات المجتمعية من اطار مرآتها واختصرت الوطن فيها وابتسرت الحلول في حلولها.. وتلك خطيئة لا خطأ. والفارق بين الخطأ والخطيئة هو في الفرق بين مسافة ممارسة النقد الذاتي وبين رفضه والامتناع عنه.. وعندما ترفض المعارضة كل دعوة للنقد الذاتي وتتعالى فوق مساءلة الذات ومساءلة الاداء فإنها ترتكب خطيئة عمرها بحق تنظيمها وحزبها وجمعيتها وبحق وطنها ومواطنيها وهي بين هذا وذاك تخسر خسارة لا تعوض ولا تصحح.