Wednesday, June 6, 2012

مصر.. الإخوان وغلطة الشاطر

د.عمران الكبيسي
مع اعتقادي الخاص بأن الإخوان المسلمين ومعهم السلفيون وحتى السيد عبد المنعم أبو الفتوح ليسوا من المؤمنين بالنهج الديمقراطي ولكنهم حملوا اضطرارا على ركوب موجة الديمقراطية غير باغين ولا عادين بإثم، وما كان لهم مفر منها، والشاعر يقول:
إذا لم تكن غير الأسنة مركبا  فما حيلة المضطر إلا ركوبها
خاض الإخوان الانتخابات النيابية وفازوا بها عن جدارة واقتدار، وأدى لهم الجميع التحية مع سلام مربع، بأنهم كانوا الأقوى تنظيما، والأفضل تكتيكا، والأحسن أداء، والأقدر والأحق بالفوز من غيرهم، فغاظ فوزهم حفيظة حسادهم، ولاسيما دعاة الاحتكام إلى الصندوق الذين انقلبوا على الديمقراطية وحكم الصندوق بمجرد فوز الإخوان، وصاروا يتربصون بهم الدوائر ويتهمونهم بركوب موجة الثورة والهيمنة والتفرد، ونسوا أن الصندوق يعطيهم حق السيطرة والعمل ببرنامجهم الانتخابي لا برنامج خصومهم ومنافسهم، وليسوا ملزمين بمشاركة احد بالحكم! ولا بالاكتفاء بالبرلمان وترك الترشح لرئاسة الجمهورية وَعَدوا أم لم يَعِدوا.
حين رشح الإخوان للرئاسة أقام منافسوهم الدنيا عليهم، لأنهم قالوا يوما لم نرشح خطأ، ورشحوا بعد أن لمسوا تـآمر المجلس العسكري الذي صار يحاول شل حركتهم، وتحجيم نفوذهم بسن قواعد دستورية فوق الدستور، التفافا واحتيالا لتقييد فاعليتهم مستقبلا، والعمل على إفشال برنامجهم، مما اضطرهم إلى الترشح لانتخابات الرئاسة تحسبا لعوادي الزمن، وهم الملسوعون الملدوغون من جحر العسكر سابقا، فرشحوا خيرت الشاطر المقبول شعبيا غير أن لجنة الانتخابات المتواطئة مع العسكر كادت لهم ولمرشحين آخرين لصالح مرشح لم يعلن عنه ظاهرا وظل طي الكتمان؟ فتدارك الإخوان أمرهم ورشحوا محمد مرسي احتياطا.
هفوة الإخوان باعتقادنا أنهم وعدوا بعدم الترشح لانتخابات الرئاسة بإصرار، وأنهم ليسوا دعاة هيمنة مراعين مشاعر التجمعات الحركية لشباب الثورة ومجاملة للأحزاب المنافسة، لكي لا يقال إنهم طامعون بالاستيلاء على كل المناصب، وظنا منهم إن المجلس النيابي يشرع ويراقب ويحاسب، ومنه تشكل الحكومة ولهم الأغلبية وبيدهم إدارة البلاد، تاركين منصب رئيس الجمهورية باعتباره منصبا شرفيا، كان ذلك قبل الانتخابات النيابية وبعدها بأسابيع، وتصرفوا عن حسن نية وثقة مفرطة بالمجلس العسكري وانه سيترك لهم السلطة طوعا “ويخرج من المولد بلا حمص”.
ويبدو أن عضو شورى جماعة الإخوان عبد المنعم أبو الفتوح كان ذكيا فاستشعر الخطر مبكرا، وأعلن ترشحه لانتخابات الرئاسة منشقا عن الجماعة، معربا عن وجهة نظره فعنفوه وعزلوه مع انه كان على صواب، وحين وضعت الأحداث الإخوان على المحك وأمام الأمر الواقع، وتأكد لهم أن المجلس العسكري لن يترك السلطة ولن يتركهم وشأنهم، ولم يُسر بفوزهم بالانتخابات النيابية، وانكشفت لهم نوايا منافسيهم السيئة، اضطروا لإعلان الترشيح للرئاسة تلافيا للخطر ولسد أبواب الريح المقبلة، ورشحوا أنفسهم خلافا لما وَعَدوا، فعد تراجعهم جريمة تتجاوز الخيانة العظمى. وانطلقت الألسنة، وصدق من صدق وكذب من كذب فكان وعدهم بعدم الترشح والتراجع الهفوة الأولى.
الهفوة الثانية والكبوة الأكبر باعتقادي هي الإصرار على ترشيح ممثل عنهم حتى بعد أن منع مرشحهم الأول واستقر الأمر للاحتياط محمد مرسي ويعلمون أن ليس له شعبية خيرت الشاطر، وإنهم شاهدوا تأييد قطاع كبير من الناس لزميلهم السابق في زمن الضيق والمحنة أبو الفتوح حتى من بين الإخوان أنفسهم، كان حقا عليهم التنازل له والتأكيد للناس أنهم لا يطمعون بالرئاسة كرئاسة ويفوا بوعدهم بعدم الترشح، فالرجل شكليا استقال أو فصل، وفي الوقت نفسه يحتوون أبو الفتوح هذا الطير الشارد معنويا، وهم واثقون من ولائه لهم من دون أن يحسب عليهم، وكان بالنسبة إليهم الخيار الأمثل والوسط المناسب والأفضل يستظلون به ويردمون الفجوة بينهم وبين زميلهم، ويدرأ عنهم سهام منافسيهم وأعدائهم، ويحافظون على مكانتهم، وكفي الله المؤمنين شر القتال، وهو ما كنا نتمنى أن يبادر إليه الإخوان ولو فعلوا لكسبوا ثقة الجميع وأمنوا مكايد الغول المتربص بهم شرا..
اليوم ظهر مرشح المجلس العسكري ونال من التأييد ما نالوا، وأصبح منافسا وندا قويا يدعمه العسكر والفلول وأعداء الإخوان ومنافسيهم، وضع الإخوان المسلمون أنفسهم ووضعوا الشعب المصري والثورة في مأزق خطر، وخاصة إذا صوت مؤيدو عمرو موسى وحمادين صباحي وبعض أنصار أبو الفتوح وآخرون الله يعلمهم لشفيق نكاية بهم، فما عسى الإخوان فاعلون لو فاز شفيق وليس ذلك بمستبعد؟ فالإخوان أنفسهم مرعوبون بعد ظهور النتائج وصاروا يتناجون ويتنادون، ولو حصل هذا سيتحملون مسؤولية الصدام مع الرئيس القادم وربما فشلهم وفشل الثورة أمام الله والشعب المصري، وستكون أول انتكاسة لثورة الربيع بسبب تعنت الإخوان وثقتهم الزائدة بأنفسهم. فيصح عليهم القول “لا حظت برجلها ولا أخذت سيد علي” وإن كنا لا نتمنى ذلك...