Wednesday, June 6, 2012

علي وعلى أعدائي

عبدالله الكعبي
تطور الأحداث في سوريا بهذه الصورة المتسارعة سيدفع إيران وكل اللاعبين الأساسيين في القضية إلى لعب أدوار أخرى تحاول من خلالها الاستفادة مما يجري هناك سواء أدى ذلك إلى كسب القضية من قبلهم أو الوصول إلى دمار شامل على غرار ما قاله شمشون الجبار (علي وعلى أعدائي).
إثارة الفوضى في لبنان والدفع بالأمور نحو الحرب الأهلية القابلة للاشتعال في أي وقت أو التلويح باستخدام الورقة العراقية والدفع بآلاف المقاتلين إلى الأراضي السورية لمساعدة الآلاف المؤلفة القادمين من إيران ولبنان والسعي إلى العودة بالعراق إلى المربع الأول الذي تلا الغزو الأميركي والإيراني لذلك البلد الذي عاش على وقع المجازر الطائفية والمذهبية التي يراد بعثها من جديد تناغماً مع ما يجري في سوريا من مجازر بهدف إرسال رسالة واضحة لكل الأطراف التي لم تعي بعد حقيقة القضية المرتبطة أصلاً بخطة غزو العراق وما ترتب عليها من مشاريع طائفية ومذهبية تتعاون أطراف عديدة لإنجازها.
القارئ الجيد لما بين سطور ما يسمى بالربيع العربي والذي بلغ أوج اخضراره في سوريا، يمكنه أن يلمح تفاصيل المخطط الأميركي الإيراني بالكامل ويمكنه أيضاً أن يشاهد بوضوح بوادر المقاومة التي أصبحت أكثر ترتيباً وانضباطاً مع مرور الوقت بعد أن كانت في السابق مجرد مخاوف وأشياء تختلج في الصدور من دون أن يبادر أحد للأخذ بها على محمل الجد.
تفجر الوضع في سوريا ليس هو البداية الحقيقية للأحداث وإنما هناك إرهاصات كثيرة سبقت ما جرى في كل العالم العربي الذي ينسب حراكه اليوم إلى حادثة البوعزيزي في تونس. فإذا ما أردنا أن نتناول ما يجري بصورة منطقية فعلينا أن نبدأ من نهاية القصة المتمثلة في سقوط النظام العراقي الذي مورست عليه كل وسائل الكذب والتزوير من أجل تهيئة كل الظروف لإسقاطه ومن ثم البدء في مرحلة جديدة من مراحل المخطط الكبير والشامل الذي أصبح في ذلك الوقت جاهزاً لغزو ما تبقى من أراض عربية وإسلامية تم العمل على تهيئة أرضيتها في السنوات الماضية عن طريق الخلايا النائمة ومن خلال وسائل التغلغل السري المدعوم بمليارات الدولارات التي تم توفيرها على حساب الخزينة الإيرانية التي صرفت جل ثروات الشعب الإيراني على مثل تلك المخططات الشيطانية.
إسقاط صدام حسين ومعه العراق كان النهاية الفعلية للمشهد الذي نعيش اليوم آخر فصوله. فتغييب العراق كان أمراً ضرورياً للعبور إلى الخطوات التنفيذية من المشروع مستفيدين من ثروات هذا البلد وأيضاً من إذكاء الصراع المذهبي المفضي إلى القتل على الهوية والطرد والتهجير والتنكيل بالعراقيين العرب الذين يجب أن يحكموا من قبل العراقيين الفرس الذين أمسكوا بكل مفاصل الدولة ومؤسساتها والوصول إلى الوضع الذي أصبح العراق عليه اليوم حينما يمسك المالكي بالسلطة بالكامل وبكل الوزارات السيادية ويتحكم بالعراق بكامله بالرغم من أن بوش الابن كان قد أعلن عن نجاحه في تحويل العراق إلى بلد ديمقراطي حر يكون مثالاً لكل الأنظمة العربية التي وجب تغيرها !
واضح جداً أن ثورة الشعب السوري لم تكن في حسبان إيران ولا الولايات المتحدة التي وقفت قبل أن تتوجس من الحركة في سوريا موقف المراقب تارة والداعم بقوة تارة أخرى لكل ما يجري في البحرين ومصر وتونس وليبيا واليمن على اعتبار أنها مشاريع مكملة لمخططهم الكبير الساعين إلى إنفاذه. سوريا التي قيدت ومنذ أكثر من أربعين عاماً بقيود البعث وقيود التعاون بين الدولة الدينية في إيران وبين الفئة العلوية الحاكمة هناك، كانت تستعد للعب دور في دعم الهجوم الوشيك الذي سيعقب سقوط الأنظمة في الدول العربية والتي كانت إيران والولايات المتحدة قد أعدت العدة لخلافته ووضع التصور المناسب للمستقبل الذي سيكون في الغالب صورة من صور الثورة الإيرانية مع مراعاة شيء من السرية حتى لا تكتشف الشعوب حجم المخطط الذي يستهدفها والذي يجب أن يشملها بالتدريج ومن دون أن تشعر بالخطر الذي أصبح يحيط بها من كل جانب.
الثورة السورية التي فضحت كل المخططات ووضعتها على المحك، تمضي اليوم إلى مسارات جديدة لم تدخل ضمن الخطط الإستراتيجية التي رسمتها إيران والولايات المتحدة للمنطقة وهي بالتالي أصبحت على بعد مسافة قصيرة جداً من دحر ذلك المخطط الذي أصبح مهدداً بفقد خطوط دفاعه الأمامية المتمثلة في العراق ولبنان اللذين أصبح الوضع فيهما هشاً بدرجة أكبر من هشاشة الأوضاع في سوريا وباتا على وشك إعادة تقييم ما تم فيهما في السنوات الأخيرة والتي كانت نتائجه لصالح النظام الإيراني الذي أسهم اتساع خطواته في تعثره بهذه الصورة التي ستنعكس لا محالة على داخله المتأهب حالياً والمترقب لنتيجة المغامرة التي يبدو أنها فاشلة بامتياز.