Wednesday, June 6, 2012

حـــوار تحــــت الطاولــــة

صلاح الجودر
الحديث هذه الأيام في المجالس والنوادي عن الحوار الذي يدور تحت الطاولة، فالكثير من المعنيين بالشأن السياسي يتساءلون عن أسرار حوار ما تحت الطاولة والعالم يعيش في عصر الشفافية؟! ولماذا «ناس وناس» والدستور ينص على المساواة والعدالة والتعددية؟! ولماذا العودة لأسلوب التكتيم والحوارات الثنائية، ومحدش شاف حاجة؟!. أسجل هذه الملاحظات حتى لا نتهم بالانحيازية لطرف دون آخر، فنحن المراقبون والمتابعون للشأن السياسي كما قيل قديماً: عومة مأكولة ومذمومة، فلا الحكومة راضية عنا، ولا المعارضة الشيعية تتفهم مطالبنا، ولا المعارضة السنية تتقبل نقدنا، ولا المعارضة الليبرالية -إن بقى منها أحد- تتفهم أطروحاتنا. فالإشكالية كما هو ظاهر من حوار ما تحت الطاولة ليس في خروج دعاة العنف والإجرام والإرهاب في الشوارع وإلا لأدان الجميع تلك الأعمال قبل الاجتماع، ولكن الإشكالية تتمثل في صمت وسكوت القوى المجتمعية عن تلك الأعمال العنفية، الصمت والسكوت الذي استفادت منه قوى التطرف لإشعال الإطارات وإلقاء القنابل وسد الطرقات، فالمتابع للمشهد السياسي يرى أن هناك هوة سحيقة بسبب الصمت والسكوت المطبق على القوى المجتمعية، هذه الهوة كانت بسبب السموم والأدواء التي تم نثرها بالعام الماضي (2011م)، حينما تم تدشين قوائم الخونة والشرفاء، وقوائم الموالين للنظام والموالين لإيران، وقوى سنية معارضة وقوى شيعية معارضة، حتى تم فرز المجتمع وتصنيفه مذهبياً وطائفياً. الإشكالية اليوم في التوتر السياسي الحاصل بين القوى السياسية، القوى السياسية التي تخلفت عن دورها لمدة عام كامل حتى خرجت قوى التطرف والتشدد تدميراً وتخريباً، وهي لم تخرج من صمتها وسكوتها، تعدت قوى الإرهاب على المجتمع ولم تصدر (القوى السياسية) بياناً واحداً يدينها، تدخلت إيران في الشؤون الداخلية للبحرين ولم تستنكر ذلك التدخل، العالم بأسره أدان النظام السوري على وحشيته واجرامه، ووقع على العريضة الأممية وهي رفضت حتى النظر فيها!. لقد أخفقت القوى السياسية في قراءة الساحة جيداً الأمر الذي جعل بينها هوة سحيقة، لذا العودة إلى طاولة الحوار لن يحل القضية بل سيزيدها تعقيداً، فتلك القوى فوتت على نفسها الكثير من الفرص والمبادرات، والسبب أنها أصبحت رهينة لقوى التطرف. فالتوتر الحاصل اليوم بين القوى السياسية سيستمر لأجل غير مسمى، الأمر الذي ينذر بمزيد من النزيف والاستنزاف، فتلك القوى أنهكتها قوى التطرف بطيشها ونزقها، حتى أصبحت بين كماشتين، بين الجماهير المشحونة حماساً بسبب الخطب الثورية، وبين دعاة العنف والتخريب التي ترميها بالقنابل الحارقة. دعاة العنف والتطرف مازالوا في كهوفهم يديرون عملية رمي الناس بالنار والحجارة، فليست مطالبهم معيشية، ولا من أجل اطلاق سراح بعض المسجونين أو إعادة المنفيين، ولكن هدفهم حرق الأرض بمن عليها، ولو لا الحكماء والعقلاء الذين يسكبون الماء على النار لأصبح المجتمع صورة أخرى من العراق ولبنان والصومال. حوار ما تحت الطاولة سيكون كسابقه من الحوارات إن لم يتم مناقشة المتفق عليه أولاً، إما إذا فتحت ملفات الخلاف والشقاق فسيعود الجميع بخفي حنين!، وليس هناك من ملف يتوافق عليه الجميع مثل نبذ العنف وإدانة الإرهاب، فجميع القوى السياسية -كما أعلم- تنبذ العنف وتدين الإرهاب، لذا من الأجدر قبل طرح أي نقطة للحوار أن يتم مناقشة ملف العنف في الشارع، فخيبة الأمل المتوقعة -والتي أتمنى أن لا تحصل- أن تشتعل الساحة أكثر فأكثر، فقد تعب الناس من خطابات التأجيج والتحشيد، فعام كامل من النفخ في النار من قبل قنوات الفتنة والمحنة المدعومة من إيران كاف لإشعال المنطقة وليس البحرين فقط. أتفهم اختلاف الكثير من السياسيين مع ما نطرحه من أولويات للحوار، لذا نتمنى أن تكون صدورهم واسعة، فأي خروج للمحنة يجب أن لا يكون بحرق المراحل فالناس مداركهم لا تستوعب ذلك، فهي لاتزال تحمل في نفوسها آلاماً لا يمكن إزالتها بطاولة للحوار وشرب الشاي يستظلون تحتها لفترة من الزمن ثم تعود حليمة إلى عادتها القديمة!. ليس عيباً أن يجتمع القوم للحوار من جديد، فهذه سمة حضارية، وقد جربوا جميع الطاولات، طاولة حوار التوافق الوطني، وطاولة اللجنة المستقلة لتقصي الحقائق، وطاولات لندن وواشنطن وباريس وجنيف، وجميعها كانت حوارات فوق الطاولة ولم تنفع مع القوم، فليجربوا هذه المرة حواراً تحت الطاولة قبل أن يجتمعوا تحت الأرض، حينها نقرأ سورة الفاتحة على أرواحهم!، اللهم آمين.