Wednesday, June 6, 2012

إحبــــاط

أماني خليفة العبسي
شخصياً أنا ضد الإحباط، ولماذا نحبط ونحن نملك الحلول بأيدينا؟. تغلبنا على أوضاع سيئة -بفضل الله طبعاً- وما كنا نظن أن منها مخرجاً، عنوان مقالي ليس دعوة للإحباط والتحبيط، ولا إقرار بالحالة والاستسلام لها. إنه رسالة وإنذار وإشارة حمراء أمام الأحداث التي نعيشها دون تركيز يوماً بيوم تتوالى بسرعة وغالباً بعشوائية وتخبط واضحين. صحيح أننا وصلنا إلى نقطة استقرار من وجهة نظر ما، وصحيح أيضاً أننا كنا على مفترق طرق تاريخي، وكنا على وشك التحول إلى نموذج عراق آخر في خاصرة الخليج.. وصحيح أن مخاوفنا وإن لم تتلاش، فهي على الأقل استقرت وكفت عن التصاعد.. وصحيح أننا خرجنا من دائرة الربيع العربي واتضحت إلى حد بعيد صورة الوضع الطائفي المريض الذي كان مرسوماً لمستقبل بلدنا، ونرى الآن أن استنساخ التجربة الإيرانية عندنا ليس بالسهولة التي تصوروها. لكن هذا لا يمنع أبداً أن هناك عوامل كثيرة ترسم معالم الإحباط الذي نعيشه، ونحن كمراقبين للرأي العام نلمس ذلك بوضوح، ربما أكثر مما كان الأمر عليه إبان تفجر أحداث العام الماضي. يمكن تفسير الإحباط في فبراير 2011 لكن كيف الآن بعد أكثر من عام وبعد عودة الحياة لمجراها؟ المشكلة الآن أننا نسير في طريق لا تبدو فيه ملامح التغيير التي توقعناها، الإحباط ناجم عن وجود آمال وتوقعات كبيرة. البحرينيون أملوا أن بعد وصول الأمر لحد احتلال فعلي للمنامة والسلمانية وحالات القتل والدهس أن أسلوب التعاطي مع الأمن سيكون حازماً، لكن كما نعلم أننا مررنا بأكثر من مرحلة تراخٍ شديد فتح المجال للتمادي، ولا يخفى كم لانتشار صور الإرهاب في شوارعنا من أثر سلبي على الناس الذين ينتظرون بعد معاناة العام الماضي أن تسيطر الحكومة بما لها من سلطة شرعية على أعمال العنف وتضع لها حداً. الأمر الآخر والأهم الذي لا يمكن أن نعتاده أبداً -ولو اعتدنا وتآلفنا مع حالة العنف- هو الفساد، والأسوأ هو الشعور بأن الفساد أكبر مما يبدو عليه وتناغمه مع حالة مريرة عشناها دوماً من المحسوبية والتفضيل وفق معايير لا يمكن لمسها أو ضبطها أو محاسبة أصحابها ومتبنيها، نحن نرى الأخت والأخ والعم والخال وابن الأخت وابن العم والصديق يعملون في المواقع ذاتها. ونرى الامتيازات تذهب لهم أحياناً دون غيرهم، وعملية الانتفاع المتبادلة التي تتم وفق شروط مجاملات ومحسوبيات وعلاقات تجارة وصداقة ونسب. وهذا الموضوع قديم جداً والسيطرة عليه تصعب أكثر مع الوقت بل يتجذر أكثر ويستفحل، ومجرد إهماله وتركه لتداول الثقافة الشعبية تبني عليه أفكارها وتتغذى منه هو أمر شديد الخطورة، ليس ما يقال في المجالس والبيوت بأقل أهمية مما يقوله المعارض على شاشة بريطانية أو أمريكية، يجب الاهتمام بتكوين رأي عام مؤيد ليس بمواضيع الإنشاء والتعبير التي تنشر بالصحف لكن عن اقتناع وإيمان بخطوات الإصلاح بل وسعادة وفخر بها. وهذا لن يكون أبداً سوى بخطوات كبيرة وجادة للتعامل مع الفساد والمحسوبيات وكل الأمور التي يتذمر منها المواطن وقد تعلم بها الدولة لكن لسبب ما لا زال التعامل معها دون المطلوب. حتى المعارضة التي تدعي أنها سخرت تضحياتها لأجل تغيير هذا الوضع هي أول من استغل سلطته وأذرعه في الحكومة لأجل السيطرة على الوظائف والجمعيات المهنية والنقابات وأعضائها وحقوقييها وسياسييها، وشاركوا بفاعلية في التوظيف الطائفي وتفشي المحسوبية والشللية ومنظومة العائلة الواحدة والطائفة الواحدة في مواقع العمل، والبحريني المسكين واقع بين الواقع الرسمي الذي نراه كلنا والذي قال وصفه سمو ولي العهد بأنه بطء في عملية التنمية، ونحن نجزم أن علته الأولى هي الفساد والمحسوبية، وبين معارضة تدعي مثل ومبادئ هي أبعد ما تكون عنها، البحريني بين المطرقة والسندان بمعنى الكلمة. بلدنا صغير وتعداده ضئيل وإذا استثنينا الأجانب فماذا يتبقى؟ لماذا مواردنا لا تكفي؟ لماذا لا يضمن كل مواطن مسكناً لائقاً لحد الآن؟ لماذا مستحق الدعم والعلاوة والزيادة ينتظر طويلاً في حالات كثيرة؟ ولماذا (السستم) لا يمنحه الحق بعفوية وببساطة دون أن يطلبه ويتوسله؟ لماذا يموت الناس في وظائف لا يحبونها ولا تلبي متطلباتهم أو توقعاتهم؟ لماذا يقترض الناس للأساسيات وليس الكماليات؟ لماذا هناك فقر لحد عدم توافر السكن أو ربما الطعام؟ لماذا يتعالج الناس على حساب جمعيات وفاعلي خير؟ هناك هدر كبير، وهناك من يحصل على ما لا يستحق وآخر يستحق لكنه ينتظر أو يسكت من باب القناعة أو من باب اليأس. لا أقول إننا صومال آخر أو إيران أخرى، وأعلم أن هناك الكثير من الإيجابيات وكثير من التطور السياسي والاقتصادي ولعلنا نفرد لهذا مقالات قادمة، بلدنا واعد وحكمنا كذلك، لكن جلد الذات والتأمل في الأخطاء والتنقيب عن جذور المشكلات مطلوب، خصوصاً الآن؛ موجات الإحباط قد تمر بسلام واحدة تلو الأخرى والمستشار يقول كله تمام، لكن لننظر كيف يؤثر هذا على الإنتاجية وعلى المزاج العام؛ معدل الجرائم، مستوى الولاء والوطنية، جودة الحراك السياسي، هل يرتقي منصات البرلمان خيرة أبناء البلد أم أنهم محبطون ومتقوقعون؟ ومن يعتلي الموجة مكانهم، كل هذه أمور لنفكر فيها جيداً ونتمعن في عواقبها.