Wednesday, June 6, 2012

المأساة تتفاقم.. ٤٥ عاما على النكسة

عبدالله الأيوبي
رغم الصدمة العنيفة التي أحدثتها نكسة الخامس من يونيو عام ١٩٦٧، فإن هذه الصدمة لم تحدث حينها، تراجعا لدى الشعوب العربية عن التمسك بالمشروع القومي المتمثل في مقاومة المشروع الصهيوني فجاء مؤتمر القمة العربي في الخرطوم في ٢٩ أغسطس من ذلك العام التي عرفت باسم قمة اللاءات الثلاث الشهيرة بحضور الزعيم الراحل جمال عبدالناصر الذي أسهم حضوره وشخصيته القيادية في خروج القمة بموقف قومي يؤكد الإصرار على التمسك بالثوابت من خلال تلك اللاءات الثلاث: لا صلح ولا اعتراف ولا تفاوض مع العدو الصهيوني قبل أن يعود الحق لأصحابه، فظل جمال عبدالناصر يقود هذا الموقف القومي المبدئي من العلاقة مع العدو الصهيوني حتى رحيله في الثامن والعشرين من سبتمبر عام ١٩٧٠
بالأمس، صادف مرور ٤٥ عاما على نكسة الخامس من يونيو، وبنظرة تقييمية للوضع القومي العربي بعيد النكسة وما تمر به الأمة العربية حاليا من أوضاع، فإن المرء يصاب بالذهول وبصدمة اشد من تلك التي أحدثها عدوان الخامس من يونيو، فرغم الهزيمة (النكسة) التي لحقت بالجيوش العربية وانعكاس ذلك سلبا على المشروع القومي الذي كان الرئيس الراحل جمال عبدالناصر والقوى القومية العربية تبشر به على مدى عدة عقود، فان الجماهير العربية ظلت متمسكة بالثقة وبقدرتها على مقاومة المشروع الصهيوني وبإيمانها الراسخ في تحريم التعامل معه تحت أي شكل من أشكال التبرير والحجج.
فالنكسة كانت عنيفة ومؤلمة جدا، فالعدو وأعوانه الإقليميون والدوليون اعتقدوا أن الضربة القاصمة لقيادة جمال عبدالناصر وأن اليأس سيدب في نفوس وقلوب الجماهير العربية، إلا أن ذلك لم يحدث فبقيت هذه الجماهير وقيادة جمال عبدالناصر متمسكة بالحقوق المشروعة وبمقاومة المشروع الاستعماري الصهيوني، ولكن بعد التحول الخطر في الواقع السياسي العربي بعد رحيل عبدالناصر تهاوى الموقف الرسمي العربي وتساقطت أوراقه واحدة تلو الأخرى إلى أن وصلنا إلى ما نحن فيه الآن من وضع يندى له الجبين، حيث لم تعد قضية فلسطين في مهب الريح فقط، وإنما شعوبنا كلها مهددة بالتفتت على أسس عرقية ومذهبية.
ما يحدث الآن في المحيط القومي العربي أشد وطأة وقسوة وخطورة من تلك النتائج التي أفرزتها نكسة الخامس من يونيو، فالقضية الفلسطينية أو ما تربينا على تسميته الصراع القومي مع المشروع الاستعماري الصهيوني في فلسطين، ليس له مكان يذكر في اهتمام الحكومات العربية قاطبة، بل حتى السواد الأعظم من الجماهير العربية لم تعد تعير القضية الفلسطينية والصراع مع العدو ذلك الاهتمام الذي يوازي حجم الخطر الذي يمثله على المستقبل القومي للأمة العربية.
فقضية الصراع مع العدو واستعادة الحقوق المغتصبة في فلسطين والجولان السوري ولبنان، ليست قضايا ذات حضور يذكر في الاهتمام الرسمي العربي، مما عزز من الغطرسة الصهيونية والتمادي في الممارسات الهمجية والاستمرار في قضم تدريجي مدروس لما تبقى من الحقوق العربية في فلسطين، والأراضي العربية الأخرى المحتلة من سوريا ولبنان، بل المؤلم أكثر أن الدول العربية دخلت في صراع مع بعضها بعضا، ووضع البعض أياديه في أيادي الدول الاستعمارية الحليفة مع الكيان الصهيوني للإضرار بدول وشعوب عربية شقيقة.
فهناك انحدار خطر في اهتمام الحكومات والشعوب العربية بالقضايا القومية المصيرية وأهمها قضية فلسطين والصراع مع المشروع الصهيوني الاستعماري الخطر في المنطقة العربية، «فقضية العرب الأولى»، موجودة فقط في البيانات الرسمية الصادرة عن الاجتماعات الرسمية الدورية، و«الالتزام بدعم» الحقوق المشروعة للشعب الفلسطيني، ليست سوى متاجرة سياسية لذر الرماد في العيون وإبعاد شبهة التراجع الرسمي عن دعم القضية الفلسطينية، حيث هناك جزء لا بأس به من الشعوب العربية لايزال أمينا على مواقفه القومية الرافضة لأي شكل من أشكال التطبيع مع العدو الصهيوني، ومطالبا بدعم حقيقي وفعلي للنضال الوطني الفلسطيني.
فعلى مدى أكثر من أربعة عقود متواصلة من الاحتلال الصهيوني لما تبقى من فلسطين التاريخية وأجزاء من الأراضي السورية واللبنانية، عمل العدو الصهيوني مدعوما بالقوى الاستعمارية الغربية وعلى رأسها الولايات المتحدة الأمريكية على تغيير المعالم التاريخية والديموغرافية للأراضي المحتلة، فيما الأنظمة الرسمية العربية لم تتعد مواقف «الشجب» و«الاستنكار» لهذه الأعمال العدوانية، ونأت بنفسها عن استخدام أي أوراق ضغط لصالح الحقوق المشروعة في فلسطين ولبنان والجولان، مما ينم عن عدم إيمان حقيقي بالقضايا القومية.