Wednesday, June 6, 2012

مذهبية إيران الجهنمية

عثمان الماجد
في ظني أن البروباغندا الإيرانية التي تسخر من القوى الأجنبية الكبرى وتضع نفسها في مصافها؛ لخداع شعبها بقدرة قواتها على دحر أي عدوان محتمل، لن تمنع وقوع حرب رابعة في الخليج، وهذا استنتاج لا أظنه يحتاج إلى مهارة قراءة ما بين سطور التصريحات الصارمة الصادرة من إسرائيل أو من الولايات المتحدة الأمريكية، بل إن قراءة السطور ذاتها من دون التعمق في ما هو مكتوب بينها تقود إلى مثل هذا الاستنتاج، غير أن المهارة الوحيدة التي نحتاجها هنا، برأيي، هي تحديد زمن اندلاع الحرب، أي الإجابة على سؤال «متى تقع هذه الحرب؟» وأعتقد أن من يحاول أن يوهم الشعبين العربي والإيراني بعدم إمكانية وقوع الحرب اثنان: إيران أولا، عطفا على فهم أعتقده غير حصيف للنتائج المتحققة للأمريكيين من حروبهم في أفغانستان والعراق، وهو لا يضع في الحسبان المتغيرات السياسية التاريخية التي عصفت بالعالم بعد سقوط الاتحاد السوفيتي الذي كان عامل استقرار في ميزان القوى العالمي، والمؤيدون لإيران ثانيا؛ وهم خليط من حكومات سوف تخسف بها المتغيرات الكبرى التي تعتمل في قاع المجتمعات العربية، ومن أحزاب راديكالية المنحى السياسي مثل: جمعية «الوفاق» في البحرين وحزب «الدعوة» في العراق و«حزب الله» في لبنان وتُحرَّكَ كلها بالريموت كونترول من حوزات قم والنجف، وهؤلاء مجتمعين يضعون البيض كله في السلة الإيرانية بدوافع مذهبية جهنمية لا علاقة لها البتة لا بالوطنية ولا بالإسلام. والسؤال الذي يتحتم علينا البحث عن إجابة له هو: إلى متى سيبقى مقدرا علينا وملازما لنا، ويتعدى إلى جيل أبنائنا من بعدنا، عَدُّ الحروب وإحصاء ضحاياها، المباشرة وغير المباشرة التي تقع في منطقتنا؟! فمثلما حدثت في الأربعين عاما الأخيرة ثلاث حروب مدمرة، ورحنا نفرق بين حرب وأخرى برقم حدوثها في مسرد الزمن، أي بالقول حرب الخليج الأولى، وحرب الخليج الثانية ثم الثالثة، من دون التوقف عند نتائج هذه الحروب السياسية والاقتصادية والاجتماعية والبيئية، فإن المصالح التي يفرضها الواقع الجغراسياسي الذي لا يهتم كثيرا بالأمنيات، يُبطل القول: «عسى ألاّ تقع حرب رابعة في الخليج» ليظل أمنية وحلما يُتطلب تحققه انصياع إيران للمطالب الدولية، ومثل هذا الانصياع رهن بإرادة الولي الفقيه الذي لا يأتيه الخطأ ولا ينطق به! إن وتيرة قرع طبول الحرب آخذة في الارتفاع وإن صاحبها تباطؤ، فهو مقصود يُرتجى منه تقليل الخسائر المادية والبشرية المترتبة على حرب بهذا الحجم؛ لأن الأهداف الإسرائيلية والغربية ليست بهينة، إنها لحرب نووية نووية، كما أن الأهداف المقابلة التي تسعى إيران إلى تحقيقها ليست ببعيدة عن مرمى صواريخها، إنها في متناوله. في اعتقادي أن من الأمور المهمة التي ينبغي علينا الوقوف عندها إزاء الحديث عن حروب الخليج بهدف حقن أبنائنا بأسباب التحوط والمنعة ضدها هي ثلاثة، أولها: الآثار والنتائج المحتملة التي ستترتب عن هذه الحروب. وثانيها: أن الشعوب هي التي ستدفع الثمن. وثالثها: أن الأنظمة الشمولية لا تملك تفويضا من شعوبها لخلق أعداء وهميين وتترجم هذا العداء على أنه عداء للشعوب. فعند الحديث عن حرب الخليج الأولى بين العراق وإيران ينبغي تصنيفها بأطول حرب عبثية في القرن العشرين؛ حيث قتل فيها ما يقارب المليون إنسان، بالإضافة إلى خسائر مالية قدرت بحوالي أربعمائة مليار دولار، ناهيك عما خلفته من إعاقات بدنية ونفسية وما خلفته من خراب اقتصادي طال دول مجلس التعاون كافة. أما حرب الخليج الثانية والتي أطلق عليها حرب تحرير الكويت أو عاصفة الصحراء، والتي أثارت ذعرا بين أبناء دول مجلس التعاون لم تثره حرب أخرى، فقد سجلت فيها سابقة عربية تمثلت في احتلال دولة عربية لدولة عربية أخرى، وقد راح ضحيتها بين 70 ألف و 100 ألف إنسان فضلا عن نتائجها البيئية الكارثية على حياة الإنسان، هذه النتائج التي ماتزال تظهر في شكل أمراض سرطانية تشمل كافة دول الخليج العربي، نتيجة للتلوث الذي أصاب الهواء والبر والبحر. وأعقبت حرب الخليج الثانية حرب ثالثة مازالت آثارها السلبية تشوه مشهد العراق السياسي والاجتماعي والاقتصادي، فضلا عن أنها جعلت من العراق مرتعا لقوات الباسيج، وأداة لطعن شعب دول مجلس التعاون. حُق لأبنائنا علينا أن يعرفوا لماذا وقعت هذه الحروب؟ ومن واجبنا أن نجيب عن أسئلتهم حيالها، ومنها: من المسؤول عن وقوع مثل هذه الحروب؟ ولماذا -وهذا هو السؤال الأهم- يعيشون أجواء حرب رابعة ستكون بالتأكيد أكثر كارثية من سابقاتها؟ وإذا ما حاولنا الإجابة عن السؤال الأول وهو «لماذا وقعت هذه الحروب؟» فإني أرى أن وقوعها أتى على خلفية تغييب رأي الشعوب وتهميش قرارها، فقرار الحرب والسلم استأثرت دائما به النخب العسكرية، وهذا ما حدث من قبل في العراق إبان حكم حزب البعث، وها هو يحدث في إيران التي تستمد قراراتها المصيرية من الولي الفقيه من دون الرجوع إلى الشعب. وعطفا على هذه الأسئلة المتواضعة أقول، إجابة عن السؤال الثاني: «من هو المسؤول عن وقوع هذه الحروب؟» إن أنظمة الحكم وليست الشعوب المسؤولة عن ذلك. فالعراق إبان حكم حزب البعث وإيران في ظل حكم رجال الدين هما المسؤولان عن الحروب الثلاثة التي وقعت، وإيران تنفرد بمسؤولية الحرب الرابعة إن حدثت. وفي ظني أنه حتى لو استجابت إيران لضغوط القوى الكبرى بشأن برنامجها النووي تحت أي ذريعة خوف، فإنها ستستمر في طرق طبول الحرب بافتعال أزمات طائفية مع باقي دول مجلس التعاون مثل التي تفتعلها الآن مع البحرين والكويت والمملكة العربية السعودية تصديرا لأزماتها الداخلية وإلهاء للشعب المسكين وصرفا للأنظار عمّا يُدبّر من نهب مُقدس للحريات ولثروات البلاد رمزية كانت أو ماديّة. لذلك، أرى أنه ينبغي علينا أن ننقل إلى إيران السؤال الأخير لتجيب عنه بعيدا عن المعالجة المذهبية الأنانية التي يعتمدها حكم رجال الدين هناك والسؤال هو: «هل منطقة الخليج فعلا محتاجة لسلاح نووي؟ في اعتقادي أن هذا السؤال يفضي إلى سـؤال أهم وهـو «لماذا نفرض على أبنائنا العيش في أجواء حرب رابعة؟» إن معطيات عقيدتنا وثقافتنا وتاريخنا وجغرافيتنا واعدة بتوفير ضمانات العيش المشترك، ولا ينبغي علينا إلا الإنصات لصوت العقل فحسب، فهل تستجيب إيران لصوت العقل؟