Wednesday, June 6, 2012

نظام مبارك بين أحكام القضاء ورفض الشارع لها

أحمد سند البنعلي
ليس بمستغرب وقوع أحكام القضاء المصري على ما أطلقوا عليه قضية القرن من براءة لمن عاث فسادا في مصر طوال سنوات قبل الثورة وجعلوها دولة بوليسية وليست مدنية ثم تأتي المحكمة لتقول أنهم أبرياء مما نسب إليهم وبالتالي فهم أحرار منذ صدور الحكم يوم السبت الماضي وكذلك تمهد الأرضية لذهاب مبارك وحبيب العادلي إلى محكمة النقض من أجل البراءة بالقول بضعف الأدلة للباقين، لم يكن مستغربا وقوع الحكم كالصاعقة على جل الشعب المصري من الذين ذاقوا الأمرين على يد المؤسسة الأمنية وهم أغلبية الشعب المصري وبالتالي ردة الفعل العنيفة التي أعقبت صدور الأحكام وعودة الكثيرين منهم للشارع للاحتكام إليه مرة أخرى.
يرى كثير من القانونيين الذين شاهدناهم على القنوات الفضائية بعد الحكم أنه من الصعب الرجوع في تلك الأحكام حيث أنها نهائية قبل النقض وأن السبيل الوحيد هو محكمة النقض وليس الشارع متناسين موقف آخر مماثل لما حدث وكان ذلك في العام 1968 بعد النكسة وعندما كان عبد الناصر على رأس السلطة في مصر وقريب من حس الشعب المصري أكثر ممن خلفوه، أي انه في تلك القضية حدث تحالف أو تآلف بين القيادة والجماهير مما أتاح للقانون أن يكون أكثر عدلا مما نراه الآن.
هناك حوادث قضائية يمكن الرجوع إليها لمعرفة ما إذا كان من الممكن إعادة المحاكمة لمن حكم ببراءتهم والدفع بالكثيرين غيرهم لساحة القضاء كتلك التي حدثت في مملكة البحرين مؤخرا والتي بموجبها تم فتح القضايا مرة أخرى وإعادة محاكمة من حكم عليهم في المحاكم العسكرية النابعة من حالة السلامة الوطنية وهناك ما أطلق عليه قضية الطيران في مصر وليس القول بأن القانون لا يسمح لأن القانون جالب للعدالة وليس نافيا لها ومهمة القاضي هو إرساء تلك العدالة وإراحة ضميره من خلال ذلك وإلا فإن القانون بعيد عن كل ذلك ولا يستحق التعامل معه، وفي هذا الشأن ليس خافيا على القاصي والداني ما فعله مبارك ونظامه طوال العقود الثلاثة الماضية والفساد الذي مارسه والتخلف الذي ألصقه بمصر طوال تلك السنوات أو ما فعله أنجاله وزوجته، ثم إن الشهداء الذين سقطوا لم تقتلهم صاعقة من السماء ولم يحمل حبيب العادلي السلاح ليطلقه عليهم بنفسه بل هناك من قام بذلك من الجنود والضباط الذين تلقوا أوامر من كبار ضباط الأمن هناك وهم الضباط الذين أطلق سراحهم وتمت تبرئتهم من خلال الحكم الأخير لذلك من الصعب قبول حكم البراءة لهم وخروجهم وكأن شيئا لم يحدث.
ثم القول بانقضاء المدة القانونية وهي عشر سنوات على استيلاء جمال وعلاء ابني مبارك على بعض الفيلات تسبب في سقوط القضية، فقد كانت هناك نية مبيتة من النائب العام ومعه المحكمة لتبرئتهما وإلا فمن كان يجروء على مقاضاة أبناء مبارك أثناء حكمه، بل حتى القاضي نفسه لم يكن يستطيع القيام بذلك ليس ضعفا منه ولكن لأن النظام لم يكن ليسمح بمثل تلك الأمور حينها فكيف نتحدث عن انقضاء المدة علي ذلك الفعل.
هذا الحكم ومعه وصول أحمد شفيق إلى الجولة الثانية في انتخابات الرئاسة لا يعني غير أمر واحد لا ثاني له وهو أن الثورة المضادة بدأت تؤتي ثمارها وأن أركان النظام السابق لا زالوا ممسكين بزمام الأمور في الجولة المصرية وأن النفس الأمريكي موجود منذ استقالة مبارك وخروجه أو عزله.
القانون وضع ليحصل الناس على حقوقهم والقضاء تم إنشاؤه ليكون الوسيلة المتاحة للناس ليستخدموها للحصول على تلك الحقوق والحكم السالف الذكر منع تلك الحقوق أو حجبها أي أن القضاء انتفت الغاية منه في تلك القضية والقانون لم يطبق بالصورة الصحيحة فهل هذا صحيح ؟... الله أعلم.