Tuesday, June 19, 2012

الاستقواء بالخارج بين الخيانة والوجاهة

حمد الهرمي
الاستقواء بالخارج شأن احترفته المعارضة العربية ليس من اليوم او بدءا بالأزمات العربية الاخيرة التي اطلق عليها الاخوان المسلمين بالربيع العربي وتلقفتها الدول التي تم الاستقواء بها بترحاب تام وهيأت لها الحملات الترويجية عبر وسائلها الاعلامية، لا بل منذ زمن ليس بقليل وهذا ما اوهم به الاتحاد السوفيتي في خمسينيات وستينيات القرن الماضي المعارضة العربية التي نطلق عليها يسارية في ذات الوقت.
بعد ذلك مارست القوى الشيعية في العراق ومنطقة الخليج العربي ذلك الاستقواء في اكثر صور الاستقواء تجليا بعد الثورة الايرانية (ثورة الخميني) الذي عاش وترعرع سياسيا في منفاه في فرنسا بلد الثقافة والجمال حتى جاء في النصف الثاني من السبعينيات على طائرة اوروبية ليصفي كل حلفائه وفي مقدمتهم حزب توده، ما ان استقر الخميني على عرشه حتى قوت شوكت التيارات الشيعية في العراق والخليج العربي وبدأ صوتهم يصبح اعلى كتيار شيعي صرف ويطالب بحقوقه في كيكة الثروة والسلطة في دول المنطقة، في اشارة صريحة بانهم جزء لا يتجزأ من الثورة الايرانية وانهم امتداد طبيعي لهذه القوة التي ينبغي ان يحسب لها حسابا اقليميا رغم انهم كشيعة اقلية في المنطقة من ناحية واقلية لا تذكر في العالم الاسلامي اجمع من ناحية ثانية.
في الوقت ذاته بدأت القوى الاسلامية السنية الاخرى تمد خيوطها التي ستؤهلها لاحقا الى الاستقواء بالخارج ايضا، لكن كانت تلك التيارات في بلدها الام لا تزال متضعضعة ولا تملك السلطة الكاملة التي تجعلها تبرز شخصيتها الطائفية او الحزبية التي تمكنها من اعتبارها قوة محسوبة على الساحة العربية ما يزكي ذيولها او اتباعها في دول الخليج العربي لتبدأ برفع صوتها مستقوية بالمرجعية او الاصل باعتبارها فروع لها.
رغم كل تلك الخارطة المتشعبة من حالات الاستقواء التي مارستها المعارضة والتيارات العربية الا ان هذا الامر ظل محسوبا على الجانب اللااخلاقي في العمل الوطني، واعتبرت الشعوب العربية لجوء تيارات محلية لقوى خارجية يعبر عن نقص شديد في وطنية تلك التيارات والقائمين عليها، وهذا في رأيي ما حافظ على اخلاقيات العمل الوطني في منطقة الخليج العربي بصورة خاصة، بل وجعل من نظرة الناس للمعارضين نظرة تقدير واحترام وانطلاقا من هذه الحقيقة كان الناس ببساطة يميزون المعارضين النشطين بكلمة هؤلاء جماعة (يحيا الوطن) كلنا دون استثناء نتذكر هذه الكلمة التي كان الناس يطلقها احتراما للمشاركين في الحراك السياسي اليساري المعارض.
ما الذي حدث اليوم؟ انهارت كل المفاهيم والمبادئ الوطنية ليصبح الاستقواء بالخارج امر مقبول ومتاح لأي قوى تحظى بقبول لدى الدول الكبرى التي لديها استعدادا ان تضع يدها في يد الشيطان اذا كان سيحقق لها مصالحها وسيترك لها المجال مفتوحا لتغرف ثروة الدول العربية لتحرم شعوبها منه كما كانت تفعل ابان الاحتلال في العهود الماضية.
لا أنكر على الدول الغربية الطامعة ان تحاول شفط ثرواتنا لكن ما لا يمكنني ان اقبله بأي شكل من الاشكال ان تتمكن تلك الدول من شفط ثرواتنا عبر كوادرنا الوطنية وتياراتنا التي تقول انها وطنية لتتحول الى خراطيم شفط تلك الدول فيحرم الوطن وابناءه من هذه الثروة ليس لشيء سوى رغبة بعض التيارات للاستحواذ على المقاعد والمناصب وان كلفهم هتك عرض دولهم واراقة دماء شعوبهم وانتهاك اعراض نسائهم.
ربما احدهم سيقول انني ابالغ او اميل الى صف الحكومات العربية، وانا لا هذا ولا ذاك فمن يلقي نظرة على واقع العراق اليوم يعرف الى اي نتيجة ستتجه اي دولة تستقوي قواها الوطنية بمرجعيات خارجية ودول كبرى كل همها الثروة، فالمشهد العراقي يؤكد ان الضباع نشبت مخالبها وانيابها فيها وان القوى الوطنية التي جاءت على دبابات الدول الكبرى اصبحت لا حول لها ولا قوة ولا يمكنها ترميم الشروخ والتهتك الذي اصاب بنيان الدولة واركانها التي احدثتها الدول التي تم الاستقواء بها تحت ذريعة محاربة الارهاب واحلال النظام وغيرها من الاطلاقات الوهمية التي تتلبسها تلك الدول لتغنم قدر ما امكنها من ثروة البلد الذي كنا نعول عليه بان يكون قائدا لنهضة دول المنطقة العلمية والسياسية والاقتصادية والادبية والفنية كذلك.
نحن اليوم امام بزوغ قوة جديدة في الشارع الخليجي اصبح لمرجعيتها ثقلا حقيقيا وهم الاخوان المسلمين فبعد الخميني واستقواء الشيعة بإيران اصبح لدى التيارات السنية التابعة ايديولوجيا الى جماعة الاخوان المسلمين جهة تستقوي بها، فمصر على كف عفريت والحكام الجدد لديهم نزعة اصيلة للتوسع في العالم العربي والاسلامي، وبناء على استحقاقات المنافسة مع ايران ستنشب معارك ستكون ميادينها في منطقتنا الخليجية، ناهيك عن المعارك مع الانظمة القائمة في المنطقة حيث ستكون التهديدات اكثر شراسة من تلك التهديدات التي مارستها التيارات الشيعية على الانظمة القائمة، لان كوادر الاخوان اكثر تغلغلا من اي كوادر لحزب او تيار آخر.
اعتقد ان الاستقواء بالخارج بعد ان كان ولفترة طويلة نوعا من انواع الخيانة الوطنية سيصبح مع الاخوان من جهة والتيارات الشيعية من جهة اخرى احد علامات النزاهة والوجاهة الوطنية، حينها ستفقد الدولة كل هيبة وسيفقد الناس هويتهم الاصيلة التي كانت تغذي انتماءهم الفطري لبلدهم.