Tuesday, May 15, 2012

التمييز الطائفي بين الاستثمار والتدمير

صلاح الجودر
لا يمكن للإصلاح أن يستقيم في أي مجتمع مع وجود مظاهر الفساد، فهما على طرفي النقيض، لذا تعاني الكثير من المجتمعات من آثر الفساد المستشري في مفاصلها، فهناك جهات مجتمعية تتقاطع مصالحها تدفع إلى مزيد من الفساد المجتمعي، والذي ينعكس على القطاعات الأخرى، فيكون سبباً في تدمير المجتمع وشل حركته وتقدمه، فيتأخر المجتمع ويبعد عن الحضارة الإنسانية حينما ينخر الفساد فيه حتى يصل إلى العظام. من مظاهر الفساد وصوره المستشرية في المجتمع التمييز الطائفي، والذي أصبح حاضراً في الكثير من المشاهد، لذا حري بدعاة الإصلاح السعي لمعالجة هذه الظاهرة الخطيرة، خاصة وأنها أخذت منحى بشعا حينما تبنتها بعض القوى والجمعيات السياسية والدينية، فالجميع اليوم يرى استفحال التمييز بين أبناء هذا الوطن، خاصة وأن هناك جهات تساعد على ذلك لتحقيق بعض المكاسب، فهناك الكثير من المؤسسات والهيئات تمارس التمييز في التوظيف والترقي والدورات، فلا يستحق الوظيفة إلا المنتمي لذلك التيار أو الحزب، هذه بعض صور التمييز التي تمارس على الأرض وهي من أسباب ظهور الطائفية في المنطقة. لا يمكن تطبيق العدالة والمساواة في مجتمع يمارس التمييز على جميع المستويات، إذ كيف يمكن تحقيق المواطنة وسواسية الناس في ظل تمييز يمارس في الوظائف والأعمال، فإذا كان المواطنون متساوون في الحقوق والواجبات كما أكد عليه ميثاق العمل الوطني ودستور المملكة فمن باب أولى التصدي لذلك الداء المسمى «التمييزط»، لذا تأتي الحاجة لتطبيق القانون لمحاربة التمييز الطائفي، وسد باب الصراع والاقتتال، أو توزيع المناصب حسب الانتماء. محاربة التمييز ليست مسؤولية جهة أو فئة بعينها، ولكنها مسؤولية جماعية، تشترك فيها كل القطاعات لتعزيز المواطنة الصحيحة، فالتمييز يعتبر جريمة يعاقب عليها القانون، ولها صورها المختلفة القائمة على الانتقائية والمحسوبية والطائفية، وهي من الجرائم التي يعاقب عليها القانون، فهي تعيق حملة الشهادات والمؤهلات من تبوء المراكز المناسبة لهم، وتعرقل عملية التطوير والتحديث التي يبحث عنها المجتمع، بل تجعل حالة من الإحباط واليأس بين الناس حينما يتم تجاهل الطاقات والكوادر المخلصة من أجل التوظيف بمقاسات طائفية أو مذهبية. التمييز الحاصل ليس لفئة على فئة كما تحاول بعض القوى تصويره حينما تتحدث عن المظلومية، ولكنه تمييز واقع على الجميع حينما تم نثر سموم وأدواء الفتنة والمحنة في دوار مجلس التعاون، فالتمييز حاصل لكل الأطراف، فبعض القوى السياسية السنية تتحدث عن تمييز واقع على أبنائها، والقوى السياسية الشيعية تتحدث عن مؤسسات وهيئات أخرى تمارس التمييز ضد أبنائها، والسبب أن تلك العقول لا تزال في حالة الاصطفاف الطائفي. فالتمييز هو داء أصيبت به بعض العقول مع أن ديننا الحنيف ينهي عن هذا المسلك، لذا قال رسول الله «ص»: «لا فرق بين عربي ولا أعجمي إلا بالتقوى»، وحينما ظهر داء الفرز والتصنيف قال: «دعوها فإنها منتنة»، فالمتأمل في مستوى التمييز الحاصل يجد أنه بلغ أعلى مستوياته بعد الأحداث التي أفرزها دوار مجلس التعاون في العام الماضي، فهو اليوم ينطلق من منطلقات طائفية ومذهبية، الأمر الذي جعل حالة من الانقسام في الشارع البحريني. ما تبثه قناة العالم الإيرانية عن تمييز حاصل لطائفة دون أخرى في البحرين إنما هي أكاذيب وأراجيف تمارسها لإشعال الفتنة في هذا الوطن، والأبشع حينما تشارك بعض الفعاليات في ظهروها العلني والسافر للنيل من البحرين ومكتسباتها، فتلك الفعاليات تقدم خدمات جليلة لأعداء هذا الوطن من أجل تغيير هوية أبنائه، فقد تحولت تلك الفعاليات إلى أبواق إعلامية مدفوعة الأجر. من هنا فإن عملية الإصلاح القائمة على العدالة والمساواة لا تعترف بمثل هذه الثقافة الفاسدة، من هنا يجب التصدي إلى الفساد بكل أشكاله، وأبرزه التمييز الحاصل، واستئصال دعاته وتجفيف منابعه، من هذا المنطلق يمكننا تصويب المسيرة وإصلاح الركب، وليس هناك من وسيلة سوى تطبيق القانون!