Tuesday, May 15, 2012

الرؤية من فوق

أحمد جمعة
لا يمكن لأي نظام سياسي في دولة تملك الخيارات المفتوحة أن يضمن تعاطف الناس في الوقت الذي يخذلهم فيه. هذه الفكرة برزت في ذهني منذ مدة تلت حالة السلامة الوطنية وما تلاها بعد ذلك من احداث وتداعيات بعضها له علاقة بالأزمة وبعضها من محاسن الصدف وربما صدفة خير من ألف ميعاد ولكنها هنا في ظروفنا اليوم في البحرين هي وليدة القدر الذي وحده يحرك الأمور في الاتجاهات المثيرة للحيرة، فلم يسبق لي على الاطلاق طوال العقود الماضية من عمري الذي عشته في ظل هذا النظام السياسي أن وجدت تناقضاً كل يوم بين المشكلات والأوضاع وبين القرارات التي تتخذ على أعلى المستوى، حتى انني شككت في أن هذه القرارات من وحي يوحى!! صحيح ان الديمقراطية لها سحر في نفوس البعض ولها كره في نفوس من رأى نتائجها على الطبيعة ولها أنصارها وأعداؤها مثل العشيقة التي يتودد إليها كل من تبتسم في وجهه وهي لم ولن تصبح مثل الزوجة لأنها بالكاد يتسع محيطها للجميع بوجود من يستغلها فيخرب ويقتل ويهدد سلامة أمة بكاملها تحت مسمى الديمقراطية ورغم ذلك هناك من يجد العذر له ويكافئه وهذا منتهى العقوق من قبل النظام السياسي في وضع مشابه لوضع البحرين. وضع البحرين خاص وفي ذروة الغرابة بين الدول حيث يعاقب المخلص ويعزل ويبعد ويكافأ المتسلل والمحرض والمتملق وغيرهم ممن لا علاق لهم بالانتماء للوطن، كل ذلك من خلال بوابة الديمقراطية التي من شدة ما اتسعت الجرائم بسببها زهدنا فيها، هذا على الأقل حالي أنا شخصياً. الديمقراطية سلوك وتربية وتنفس طبيعي لهواء نقي لا يؤثر فيها الدين والمذاهب والطوائف والتيارات والأهواء والمصالح الضيقة التي تنتج الصراعات والخلافات وتعطيل المصالح وتشوه وجه البلد وتعيد التطور الى المربع الصفر الذي كانت عليه، الديمقراطية توليف للوحدة الوطنية واطلاق للإبداع والمبادرات وتشغيل للانتاج وحفاظ على المكاسب الوطنية ودفاع عن المنجزات.. ولو كانت هناك ذرة من الوعي السياسي وكانت هناك موضوعية سياسية لوجدنا ان ما تحقق من انجازات خلال العقود الماضية يكرس مفهوم التنمية التي تأتي قبل الديمقراطية في مجتمعات لم تنضج بما يكفي للتعاطي مع الحرية والديمقراطية. مشكلة الذين يعتقدون أنهم يرون وحدهم من دون سائر الناس يتسببون في الكثير من الآلام من خلال إطالة أمد الأزمة وهنا تكمن المشكلة. التغيير مطلوب في كل بقعة من العالم وهو بمثابة الناموس الفطري اللازم لكل العصور والأزمان، ولو لا التغيير لما وصل العالم الى هذا المستوى من التطور بعدما كان عبارة عن غابات وجبال وصحاري يعيش فيها الانسان بكنف النار ووسط الوحوش والذئاب، ولو لا التغيير لما رأينا دولا حديثة مثل امريكا تتفوق على دول نشأت مع نشوء الارض كبريطانيا العظمى وفرنسا التاريخية. التغيير اذن هو سنة الحياة وقانون الكون.. ولكن يبدو ان الانسان البحريني والمواطن في البحرين لا يحب التغيير ولا يرغب في التعمير ولا تشفع له التنمية والتقدم الذي تحقق حتى الان منذ اواخر القرن الماضي على اقناعه بالتغيير، من هذا المنطلق اصبح التغيير الوحيد الذي يجري حالياً هو التفكير في الخروج من دائرة الأزمة وليس كيف نبني البلد بعد الأزمة وهنا الفرق بين من يؤمن بأننا تجاوزنا المحنة وحان الوقت للبناء وبين من يرى الأزمة باقية بقاء الاسلوب الذي تعالج من خلاله وهنا الاختلاف بين القرارات التي تأتي من فوق ولا تلامس الواقع وبين الواقع الميداني الملموس ويبرز السؤال: هل من يعالج الأمور من فوق يرى الواقع مثلما يراه من يعايش الواقع على السطح؟ الفرق واضح للعيان من خلال النتائج..