Tuesday, May 8, 2012

ما تريده أميركا ولا تريده للبنان

د.عصام نعمان
أميركا وإيران تتصارعان في لبنان وعليه منذ اكثر من عقدين. تتصارعان ايضاً على مستوى المنطقة. لبنان، في سياق هذا الصراع، ساحة وواجهة. فيه تتبدى فصول الصراع كما اشخاص اللاعبين وادوارهم، محلياً واقليمياً.
رجل اميركا في المشهد اللبناني مساعدٌ لوزيرة خارجيتها هيلاري كلينتون. انه الدبلوماسي المحترف جيفري فيلتمان الذي كان شغل، عشية حرب «اسرائيل» العدوانية على لبنان والمقاومة في العام 2006 وغداتها، منصبَ سفير واشنطن في بيروت. خلال ولايته، لعب فيلتمان دوراً لافتاً في خدمة مصالح بلاده ودعم حلفائها، قوى 14 آذار وحكومة فؤاد السنيورة المنبثقة منها، وفي مناهضة اعدائها، قوى 8 آذار والمقاومة المعقودة اللواء لحزب الله.
توقيت زيارة فيلتمان للبنان كانت مدروسة. فقد جاءت متزامنةً مع زيارة النائب الاول للرئيس الايراني محمد رضا رحيمي. التزامن كان لتحقيق التوازن، ثم لكسر التوازن الحاصل بغية احداث اختلال في موازين القوى لمصلحة اميركا وحلفائها قبل الانتخابات المنتظرة صيفَ العام 2013.
فيلتمان جاء مدججاً بعضو مجلس الشيوخ جوزيف ليبرمان، السيناتور اليميني المتطرف والمعروف بتأييده الفاقع لـِ «اسرائيل». الاول ركّز في زياراته لرئيس الجمهورية ولأركان المعارضة من قوى 14 آذار على قضايا لبنان الداخلية. الثاني ركّز في جولته على المناطق الحدودية في شمال البلاد على الأزمة السورية وانعكاساتها على لبنان.
رحيمي جاء معززاً بوزراء الطرق والاشغال العامة، العدل، الاتصالات وتقنية المعلومات ، الطاقة وغيرهم من كبار موظفي رئاسة الجمهورية ووزارة الخارجية. الوفد الايراني الموسّع ركّز على بحث وتوقيع مجموعة من الاتفاقات ومذكرات التفاهم في حقول الصناعة والتجارة والاتصالات والطاقة. غير ان نشاط رحيمي الابرز تجلّى بلقائه الامين العـام لحزب الله السيد حسن نصرالله الذي اكد «ثبات المقاومة على نهجها وطريقها ويقينها بالانتصار وقدرتها على مواجهة كل التحديات الآتية». فوق ذلك، حرص رحيمي على تتويج زيارته برحلة الى بلدة مارون الراس الحدودية الجنوبية مستطلعاً، بمنظار عملاق، المستوطنات الاسرائيلية في الجوار.
ليبرمان جال في الشمال متفقداً النازحين السوريين المؤيدين للمعارضة، ورحيمي جال في الجنوب متفقداً القرى الحدودية ومقاتلي المقاومة اللبنانية في مواجهة «اسرائيل»...هل هذه خلاصة اسبوع لبنان الاميركي - الايراني ؟
كلا بالطبع. فيلتمان اثار قضايا عدة، اقليمية وداخلية، واطلق مواقف وتحذيرات ونصح حلفاءه باتخاذ قرارات بشأنها. رحيمي بحث مع المسؤولين وقادة المقاومة قضايا حساسة لم يتسرّب بشأنها معلومات وافية.
لعل الهمّ الرئيسي لفيلتمان كان ايران وضرورة عدم اسهام لبنان، خصوصاً قطاعه المصرفي، في الالتفاف على العقوبات المفروضة عليها. قال للمسؤولين ولأركان 14 آذار : « يجب عدم استغلال السرية المصرفية في لبنان للالتفاف على العقوبات النافذة بحق ايران وحزب الله وسوريا. عدم الالتزام بالعقوبات سيكون له تداعيات خطيرة على القطاع المصرفي. واذا كان البعض ينوي التحايل على العقوبات لتمكين ايران من انتزاع عقود غاز وكهربـاء وخلافهما، فان حكومة لبنان ستواجه مشاكل معقدة مع المجتمع الدولي».
بعد همّ ايران يأتي همّ سوريا الذي هو همّ قوى 14 آذار ايضا. تسرّب من اللقاءات ان فيلتمان لم يوفّر لحلفائه اللبنانيين اي معلومات او ضمانات حول ما يمكن ان تنتهي اليه التطورات في ايران وسوريا. مع ذلك، حرص على ترديد لازمة رئيسه اوباما حول «حتمية سقوط نظام بشار الاسد» دون تحديد اي مواعيد. في موازاة فيلتمان، حرص ليبرمان على ابداء قلقه مما يجري في سوريا وخشيته من امتداد الصراع الى لبنان، ممتعضاً من عدم تقديم ما يكفي لدعم المعارضة السورية.
الحديث عن سوريا جرّ حلفاء فيلتمان الى التساؤل عن مستقبل لبنان ازاء احتمالين : سقوط النظام في سوريا او بقائه. مبعوث كلينتون نصح حلفاءه بأن ينظروا الى مستقبل لبنان في اطار تطورات المنطقة وليس بمعزل عنها. هذا يستدعي، في رأيه، ثلاثة متطلبات:
اولها، وجوب الاستعداد لكسب الانتخابات النيابية المقبلة كي لا يسقط البلد في ايدي حزب الله وميشال عون. لكسب الانتخابات يقتضي تعميق التحالفات القائمة بين قوى 14 آذار، والاتفاق على قانون للانتخابات يؤمّن فوزها ومصالحها، واجراء الانتخابات في موعدها.
ثانيها، الابقاء على حكومة نجيب ميقاتي واحتواء رئيسها لضمان اجراء الانتخابات في موعدها.
ثالثها، الاستعداد لابدال حكومة ميقاتي بأخرى تكنوقراطية برئاسته، يُستبعد منها حزب الله وذلك في حالتين : إقدام قوى 8 آذار على تعطيل الانتخابات بسبب رفضها قانون الانتخابات للعام 1960، أو حصول تطورات خطيرة في سوريا لا تلائم قوى 8 آذار ومستقبل «سيطرتها» على لبنان.
جدل طويل دار بين فيلتمان وحلفائه في قوى 14 آذار حول الاحتمالات التي يمكن ان تحدث خلال الفترة التي تفصل البلاد والقوى المتصارعة عن موعد الانتخابات صيفَ العام 2013. ثمة فريق في قوى 14 آذار يدعو الى تثبيت قانون العام 1960 وبالتالي التبكير في اسقاط الحكومة، بالتعاون مع كتلة وليد جنبلاط، للاتيان بحكومة جديدة برئاسة ميقاتي او سواه تكون في غالبيتها من التكنوقراط ولا يُمَثّل فيها حزب الله والعونيون.
ثمة فريق آخر في قوى 14 آذار يدعو الى استغلال فرصة انشغال دمشق بأزمتها الداخلية من اجل استنفار جميع القوى المعادية لسوريا وايران وحزب الله في حملة واسعة شعارها «لا للانتخابات في ظل السلاح» حتى لو تطلّب الامر عدم اجراء الانتخابات في موعدها املاً في استدعاء تدخلٍ من دول عربية صديقة لعقد «مؤتمر دوحة جديد» على غرار المؤتمر الذي انعقد في الدوحة العام 2008 وادى الى التوافق على انتخاب العماد ميشال سليمان رئيساً للجمهورية، واجراء الانتخابات وفقاً لاحكام قانون 1960.
غير ان قلةً قليلة من العقلاء في قوى 14 آذار، ممن لا يخدعهم الضجيج الاعلامي الذي يصنعه اعداء سوريا في الداخل والخارج، تضع في الحسبان أرجحية استمرار النظام السوري نتيجةَ صفقةٍ اميركية-ايرانية أو صفقة اميركية - روسية، وتعتقد ان المصالح الوطنية العليا تستوجب التلاقي مع دعاة الاصلاح والديمقراطية في قوى 8 آذار، كما مع القوى الوطنية والديمقراطية المستقلة، برعاية رئيس الجمهورية العماد سليمان وبطريرك الموارنة بشارة الراعي من اجل التوافق على قانون ديمقراطي للانتخابات على اساس التمثيل النسبي، يُنتج مجلساً نيابياً يكون، بقاعدته التمثيلية الواسعة، بمثابة جمعية تأسيسية تضع التشريعات والاجراءات اللازمة لتنفيذ ما تبقّى من اصلاحات «اتفاق الطائف»، ولاسيما المادة 22 من الدستور التي تنص على ايجاد مجلسين: الاول نيابي منتخب على اساس وطني لا طائفي، والثاني للشيوخ لتمثيل العائلات الروحية (الطوائف) وتنحصر صلاحياته بالقضايا المصيرية والاساسية.
بين ما تريده اميركا ولا تريده للبنان، وبين ما يريده اللبنانيون الوطنيون العقلاء لبلادهم وشعبهم مسافة زمنية واسعة يتخذ فيها اللاعبون الكبار والصغار من لبنان، كما من سائر دول المنطقة، ساحةً لصراعٍ محلي واقليمي ودولي محموم ومفتوح على شتى الاحتمالات.