Tuesday, May 8, 2012

لماذا تدلل التشريعات الغربية السفاحين

د.عبدالحميد الأنصاري
يدهش المرء لتسامح التشريعات الجزائية الغربية مع الجناة والسفاحين على حساب الحق العام المجتمعي والحق الخاص لضحايا المجني عليهم، وصلت تلك التشريعات في التسامح مع الجناة الذين يرتكبون جرائم القتل عامدين وعن سبق واصرار ومهما أزهقوا من أرواح بريئة الى حد الغاء عقوبة الاعدام! ولا أدري أي عدالة أو منطق أو مبرر لهذا الالغاء الا تأثير الديانة المسيحية التي تقول: من ضربك على خدك الأيمن فأدر له خدك الأيسر! لا يقتصر هذا التساهل مع السفاحين على التشريعات فحسب بل كذلك الاجراءات المتبعة في التحقيق والمحاكمة والتي وصلت الى حد تدليل الجاني وهو الحاصل اليوم في محاكمة سفاح أوسلو! صحيح أن اعتبارات الشرعية الاجرائية أسمى من تحقيق الاتهام وصحيح أيضاً أنه ينبغي حفظ كرامة المتهم وآدميته واتاحة المحاكمة العادلة له ولكننا اليوم أمام ارهابي يفاخر علناً على مرأى ومسمع من العالم كله بأنه غير آسف على المجزرة التي قام بها وانه نادم لأنه لم يزهق أكثر من 77 روحاً بريئة! وهو سيكرر فعلته من جديد اذا اطلق سراحه ومع ذلك تسعى النيابة العامة في تلمس مسوغات تخفف عقوبة السجن المقدرة ب 21 عاماً عبر الاستعانة بأطباء نفسيين قدموا تقريراً بائساً يقولون فيه إن السفاح مصاب بفصام في الشخصية فهو غير مسؤول عن قتل 77 بريئاً! تصوروا يقتل بدم بارد وعن سبق اصرار وترصد 77 نفساً ومع ذلك لا يعاقب الا ب21 عاماً في السجن! والعجيب في هذه المحاكمة أن السفاح ومحاميه يرفضان تقرير الأطباء ويؤكد السفاح سلامة عقله ونفسه بل ويتهم الأطباء بالكذب وأنهم اخترعوا أقوالاً ليصوروه كمختل عقلي ويرى في ذلك (اهانة) له ولمعتقداته ويقدم مذكرة يفند فيها 200 كذبة في التقرير الطبي مؤكداً مسؤوليته الكاملة ومعللاً بأنه دفاع عن النفس ضد الذين يريدون تحويل بلده الى مجتمع تعددي يسمح بهجرة المسلمين اليه، يتحدى السفاح النيابة العامة بقوله: لو كنت جهادياً ملتحياً لما كنت خضعت لتقييم نفسي على الاطلاق، وهو يفضل أن يعاقب بالسجن على أن يودع بمستشفى الأمراض العقلية كما يؤكد أنه يخوض حرباً بهدف حماية أوروبا من (الاجتياح المسلم) وهو في سبيل ذلك ينتقم من حكومته التي تساهلت مع هجرة المسلمين! ما قام به هذا السفاح من جرائم ارهابية والمباهاة بها وتبريرها عبر وسائل الاعلام هو ما يقوم به الارهابيون عندنا، يفجرون أبرياء في محطة باص او مطعم شعبي يغص بالكادحين ويدعون أن ذلك جهاد في سبيل الله وثأر لكرامة المسلمين وانتقام من أعداء الدين، لكن الفارق بيننا وبين الغربيين أننا لا ندلل الارهابيين كما يفعل الغربيون مع السفاحين، لقد اجتاحت أوروبا في العقد الأخير جرائم ارهابية وسقط أبرياء كثر وكانت أصابع الاتهام تتجه دائماً الى المسلمين لكن سفاح أوسلو كسر القاعدة هذه المرة، فهذا ارهابي أشقر الشعر أزرق العينين مسيحي متطرف عمره 33 عاماً لا يشكو ضائقة اقتصادية أو مظلمة سياسية أو احباطاً نفسياً أو كبتاً جنسياً وهو متعلم ويتعامل مع الشبكة العنكبوتية وينشر أفكاره بكامل الحرية لكنه يعتنق فكراً نازياً شديد العداء للآخر فلا يطيق أن يرى في بلده جنساً غير الجنس الأوروبي الأبيض، لا يطيق المهاجرين عامةً والمسلمين خاصةً، وهو في سبيل هذا المعتقد الظلامي قتل في 22 يوليو الماضي 8 أشخاص بقنبلة وسط أوسلو ثم تنكر في زي الشرطة وأطلق النار على معسكر صيفي للشباب في جزيرة أوتويا فأودى بحياة 69 منهم وقال انه فعل فعلته انتقاماً من حكومته المؤيدة للهجرة! لسنا بصدد محاكمة هذا السفاح ولا تحليل دوافعه لكننا نعجب لهذا التدليل المفرط المحاط بهذا السفاح! المجرم يصرخ غاضباً: أنا مسؤول عن المجزرة وسلطات التحقيق مصممة على القول إنه غير مسؤول لأنه كان في وضع نفسي غير سوي فهل رأيتم تدليلاً وتسامحاً وشفقة على الجاني مثل هذا التدليل؟! السفاح ارتكب جرائمه قبل 9 أشهر وتركوه كل هذه المدة الطويلة ليحاكموه اليوم وكانت النيابة العامة خلالها تبحث عن مسوغ للتخفيف من العقوبة حتى اذا أعياهم ذلك وكذب السفاح تقرير أطبائه لم يجدو بداً من بدء محاكمته وحتى في هذه أيضاً دللوه اذ سيتاح للسفاح 5 أيام ينشر فيها أفكاره عبر وسائل الاعلام وهو أمر ما كان يحلم به، ستمتد المحاكمة 10 أسابيع وتصل تكاليف الاحتياطات الأمنية لتأمين المحاكمة الى 3 ملايين يورو وسيتاح لهذا المجرم الفرصة الكاملة وعلى الهواء مباشرة للهجوم على المسلمين واتهامهم بأعمال العنف والاغتصاب وتلويث الثقافة النرويجية واحتقارها وأن كل هم المسلمين هو تكاثر النسل حتى يحتلوا أوروبا وينشروا فيها الأسلمة، هو يريد جنساً اوروبياً نقياً ويخشى على العنصر الأوروبي من التلوث والانقراض على المدى الاستراتيجي، هذه الطروحات التي تغذي مشاعر العداء والكراهية وتصب في مصلحة اليمن المتطرف الذي اكتسح الساحة الأوروبية ووصل الى برلماناتها وحكوماتها، والغريب أن هذا الارهابي فاق في عمق كراهيته الارهابيين عندنا عندما صرح بأنه تدرب على نزع الشفقة من قلبه استعداداً لتنفيذ هجماته لكن الأغرب أن القاضية أمرت بطرد شخص اختاره المجتمع المدني ضمن 5 أشخاص في هيئة النطق بالحكم لأنه كتب في الانترنت أن (عقوبة الاعدام هي الحل العادل في هذه القضية) لقد أصبح الحديث حول عقوبة الاعدام من المحرمات هناك علماً بأن استطلاعاً جرى في النرويج عقب المذبحة، أظهر أن 67% منهم يرون أن العقوبات مخففة للغاية وطالبوا بضرورة تغليظ عقوبة الجرائم في بلادهم، وفي الوقت الذي تتعاطف فيه التشريعات الغربية مع الجناة والسفاحين فانها لا تظهر نفس التعاطف والاهتمام مع الضحايا! ترى ماذا عن أقرباء وذوي المجني عليهم وماذا عن تعويضهم وحمايتهم وتأهيلهم نفسياً واجتماعياً وقد فقدوا أعزاء عليهم؟! منذ عدة سنوات حضرت مؤتمراً حول (ضحايا الجريمة) بأكاديمية شرطة دبي وكان اهتمام المؤتمر على هذا البعد المغيب في التشريعات الجزائية وهو حقوق الضحية، وحرص القائد العام لشرطة دبي ضاحي خلفان في كلمته الافتتاحية على توضيح سر اهتمام الأكاديمية بضحايا الجريمة مبيناً أن التشريعات اذ أحاطت الجاني (المتهم) بسياج من الحقوق التي تضمن له محاكمة عادلة الا أنه لم يعط للضحية (المجني عليه) عناية كافية، وأهاب القائد العام برجال الشرطة والأمن بضرورة تعاطفهم الانساني مع المجني عليهم، وكان من ضمن المقترحات تضمين مقرر حقوق الانسان موضوع ضحايا الجريمة، ويبقى أن نتساءل في النهاية: لماذا تدلل التشريعات الغربية الجناة والمجرمين بأكثر مما تتعاطف به مع الضحايا المجني عليهم؟