Tuesday, May 8, 2012

التعديلات الدستورية.. جمعيات التأزيم ونفي الذات

حين صدق جلالة الملك على التعديلات الدستورية يوم الخميس الماضي، تفاعلت كل قوى المجتمع الوطنية معه إيجابيا، واعتبرت تلك التعديلات نقلة نوعية في مسار التجربتين الإصلاحية والسياسية، إلا فئة واحدة في هذا المجتمع وقفت وحدها «وقفة مضادة» كعادتها، لكأن جلالة الملك استبق الحدث حين عبر في خطابه يوم التصديق عن أمله في (أن تبادر مختلف القوى والتجمعات من ذاتها إلى تقويم عملها واللحاق بركب التطور والإصلاح)، فالركب ماض في مساره ولن يوقفه شيء أو أحد مثلما جمعيات التأزيم ماضية إلى حتفها السياسي، وهي ترفض كل شيء وتخلق من كل إنجاز وطني فرصة لتضييع الفرص على نفسها ولخلق أزمة جديدة لم تعد تهم أحدا غيرها.
لذلك ـ كما هو متوقع ومعروف ـ جمعية الوفاق وأتباعها من جمعيات (البصم) والأخرى غير المرخصة لم تمتلك ولن تمتلك شجاعة تقويم عملها وأدائها لتلحق بركب التطور والإصلاح كما أمل جلالة الملك، وإنما أصدرت بيانا مكررا تتهم فيه الدولة بأن كل ما تقوم به كخلاصة للأمر هو (شكلي)، ونقول سبحانه الله في هكذا جماعة.
هو ذات الخطاب المسموم يكرر نفسه كل مرة فهؤلاء لا يملكون سوى لغة (الرفض والتأزيم) لكل شيء وبما يدل كل مرة على تفاقم تصاعدي في (الأزمة الذاتية) وعمل المستحيل لإسقاط تلك الأزمة على المجتمع في حالة ميلودرامية من (نفي الذات) عن المتغيرات والتغييرات الإيجابية فيه، بل عن المتغيرات السياسية والتطوير الإصلاحي اللذين لم يكونوا يحلمون بأقل منهما قبل عدة سنوات فقط.
وكما هو متوقع أيضا: اتخذت هذه الفئة فلسفة الرفض المأزومة مقرونة بسياقها التعبيري (ميدانيا) فأقامت الوفاق وأذنابها المعروفة مسيرة نعوش رمزية (انظروا هنا نعوشا وليس شيئا آخر) زجت في داخلها ٨٤ رقما واسما غير متفق عليها حيث بينهم وفيات طبيعية ووفيات مشكوك في أمرها تم ضمها إلى القائمة للمتاجرة السياسية فيها في الداخل والخارج.
المهم في الأمر أن مسيرة النعوش أقيمت للتنديد بالتعديلات الدستورية والإصرار على البقاء في زاوية الأزمة الذاتية فيما كامل المكونات ما عداهم ساروا في تناغم معها باعتبارها تعديلات دستورية نتاجا شرعيا لمرئيات حوار التوافق الوطني وللتعددية الديمقراطية وللإرادة الشعبية لدى الغالبية.
هؤلاء بالفعل يثبتون يوما بعد يوم أنهم أعداء الإصلاح وأعداء الديمقراطية، وأن شعاراتهم (زائفة وشكلية)، وأنها في جوهرها مجرد أداة للابتزاز السياسي ولإبقاء الوطن في حالة التأزيم المستمر، ويوما بعد يوم يثبتون أيضا أنهم لا يريدون في هذا الوطن إلا الخلاف والاختلاف، والرفض والاستبداد بالرأي وإقصاء آراء وحريات الغالبية، مثلما لا يُشبع طمعهم إلا الخطوات السريعة التي تهيئ لهم في النهاية المناخات والأجواء للقفز على السلطة رغم الفشل القاسي والمرير الذي أحاط بحراكهم الانقلابي لتحقيق تلك الغاية طائفيا خلال أزمة فبراير التي كانت أيضا تعبيرا عن أزمتهم مع هذا الوطن وفيه.
ذلك فهؤلاء لا عمل لهم سوى التنديد بكل ما تتوافق عليه الرؤى والقوى الوطنية والمؤسسات والجمعيات السياسية الوطنية ومكونات الشعب، هم لا يرون إلا أنفسهم وعقولهم الضيقة، وهم إلى اليوم رغم فضائحية انكشاف أجندتهم للقاصي والداني مازالوا يتصورون في إطار حالة مرضية واقعة في الوهم المستفحل ان الوطن وإصلاحه وديمقراطيته كلها موقوفة على رأيهم كفئة لبست لبوس المعارضة وعلى مواقفهم التي فقدت كل مصداقية ومشروعية لأنهم ببساطة حتى اللحظة، ومع كل إنجاز وطني، يعملون طوال الوقت على النقيض من كل القوى المجتمعية والسياسية، ولربما يعتقدون أن الوطن هو (وقف جعفري) خاص بهم وعلى أساس ذلك يتصرفون، وأي وهم خطِر في هذا؟
هؤلاء لايزالون متدثرين على مستوى الوعي والحراك بثقافة الموت والحسينيات والجنائزيات والنعوش، ولذلك فإن كل فرح في هذا الوطن هو حزن لهم، وكل تطور ونجاح وإنجاز فيه هو إخفاق لهم، وكل تغيير إيجابي هو مناسبة للتنديد والشجب والرفض بل للتصعيد في العنف والإرهاب، حتى أصبحوا يصارعون الطواحين ويسجلون البطولات عليها وحدها ويدورون حول أنفسهم أو عكس عجلة الزمن وعجلة الوطن وعجلة مسار أي منطق سياسي أو عقل وطني.
يعملون بكل ما لديهم من قوة ودعم وتدريب من المدرستين «الإيرانية والأمريكية» للانتصار على الوطن ولكسر إرادة الناس ولضرب الديمقراطية عبر احتكار الرأي وضرب التعددية عبر الفئوية الطائفية القاتلة لأصحابها، وضرب الإصلاح كلما تحقق فيه المزيد بالمطالبة اللانهائية (مازلنا نريد المزيد، نريد المزيد وفورا)، وعينهم على كرسي الحكم لا غير، حتى أصبحوا لا يصدقون أن هذا الوطن ليس منحازا لأجندتهم الغوغائية، وان هذا الوطن بإمكانه أن يسير من دونهم وانه لن يتوقف عندهم وعند تطرفهم وإرهابهم وديكتاتوريتهم واستبدادهم وخاصة بعد أن فقد حراكهم وفقدت شعاراتهم كل مصداقيتها ومشروعيتها، وباتوا في نظر الغالبية (مجرد مفسدين في الأرض وداعمين للإرهاب) لا مصلحين أو إصلاحيين أو ديمقراطيين إلى جانب ما اكتشفه شعبنا المخلص فيهم من مليون ثغرة أخرى وفي رداء أجندتهم المكشوفة فأخرجتهم في نظر تلك الغالبية الشعبية من إطار المعارضة الوطنية الصحيحة.
حين هم ينددون بالتعديلات الدستورية النوعية وبالفرح الوطني ويواجهون ذلك بالنعوش فإنهم في الواقع يعلنون (الإفلاس السياسي) مجددا أمام مرأى الجميع و(يتوهمون) أنهم رقم صعب لا يمكن تجاوزه وبهذا فهم في حقيقة الأمر يثيرون الإحساس بالشفقة وبالرثاء لما أوصلوا أنفسهم إليه في ظل سذاجة سياسية لا متناهية، فهذا الوطن وبإرادة قيادته السياسية وإرادة شعبه الوطني الشريف تجاوزهم منذ زمن ولم يعد ينظر إليهم إلا بأنهم (الإشكالية الكبرى) التي تحتاج إلى إزالة وأنهم (المرض الحقيقي) في هذا الوطن الذي تحتاج أورامه إلى بتر، وأنهم (العقدة) من حيث بنية جمعياتهم وتركيبتها وتوجهاتها بحاجة إلى إصلاح جوهري وجذري لأنها أضرت بهذا الوطن كثيرا وطويلا، وتبقى البحرين وحدها هي الرقم الأصعب على الإطلاق في وجه كل المتربصين بها.