Tuesday, May 8, 2012

على الأقل.. احترموا عقول الناس وذكاءهم

السيد زهره
من الواضح ان القاموس السياسي لجمعية الوفاق وتوابعها فيما يتعلق بمبادرات وخطوات الإصلاح، لا يضم الا كلمة وحيدة هي «شكلية».
على امتداد الأشهر الماضية، ومع كل المبادرات والخطوات الإصلاحية التي أقدمت عليها الدولة، لم تجد الوفاق من مبرر لرفضها جملة وتفصيلا الا القول في كل مرة بأنها «شكلية».
حين تم تنظيم حوار التوافق الوطني، وانسحبت منه الوفاق وفق خطة مسبقة، بررت ذلك بالقول بأن الحوار «شكلي»، والقضايا التي يناقشها «شكلية»، وأي نتائج يتوصل اليها هي بالضرورة «شكلية».
وحين قرر جلالة الملك تشكيل لجنة بسيوني، بادروا على الفور بانتقاد هه الخطوة وشككوا فيها، على اعتبار ان تشكيل اللجنة ما هو الا «اجراء شكلي».
وبعد ان صدر تقرير اللجنة رحبوا فقط بالنتائج التي تنتقد الدولة. لكن حين بدات الدولة تنفيذ التوصيات ونفذت اغلبها بالفعل، رفضوا كل هذا واعتبروا انه لم يتحقق أي شيء إيجابي على الاطلاق. لماذا؟.. مرة أخرى، لأن ما تم ليس في رأيهم سوى تنفيذ «شكلي» لبعض التوصيات لا قيمة له.
وحين أعلن جلالة الملك التعديلات الدستورية وأقرها البرلمان، لم يترددوا أيضا في رفضها تماما، ولنفس السبب.. ان هذه تعديلات دستورية «شكلية» ليس لها أي معنى.
إذن، كما نرى، فإن أي وكل مبادرة او خطوة إصلاحية تقدم عليها الدولة هي بالنسبة إليهم مرفوضة سلفا ومن دون نقاش، والسبب في كل الأحوال انها جميعا خطوات «شكلية».
هذا أمر مذهل، ولا نحسب ان له سوابق في سلوك وممارسة المعارضة في إنحاء العالم المختلفة.
بداية، من حقهم ان يتمسكوا بمواقفهم ومطالبهم كما يشاءون أيا كانت متطرفة، وعليهم ان يتحملوا أمام الشعب مسئولية ذلك.
لكن الأمر لا يتعلق هنا بالتمسك بمواقف ومطالب. الأمر يتعلق بما هو ابعد من هذا.
المفترض في أي قوة سياسية مسئولة حين ترفض مبادرة أو خطوة اصلاحية ما، وحين تبدي أسبابها للرفض، ان تحترم على الأقل عقول الناس وذكاءهم. بمعنى ان تقدم تبريرا أو سببا يمكن ان يقنع الناس فعلا.
ومسألة «الشكلية» هذه التي لا يملكون شيئا غيرها، هي في حقيقة الأمر تعبر عن احتقار لعقول الناس وذكاءهم، بما في ذلك بالمناسبة عقول وذكاء حتى اتباعهم أو المتعاطفين معهم.
ولنا هنا ان نتأمل ما يلي:
ما هو «الشكلي» في حوار وطني شاركت فيه عشرات من القوى الممثلة لمختلف قطاعات المجتمع؟.. وما هو الشكلي «في نتائج للحوار انتهت إلى حزمة واسعة من الإصلاحات المقترحة في مختلف المجالات»!
ما هو الشكلي بالضبط فيما تم تنفيذه من توصيات لجنة بسيوني؟
هل عودة المفصولين إلى أعمالهم إجراء شكلي؟.. ان كان الحال كذلك، لماذا لم يطلبوا من إتباعهم عدم العودة طالما المسألة شكلية لا قيمة لها؟
هل تعويض المتضررين اجراء شكلي؟
هل الإصلاحات الواسعة التي أقدمت عليها المؤسسة الأمنية تنفيذا للتوصيات مجرد اجراء شكلي؟
وقس على هذا.
وما هو الشكلي بالضبط في التعديلات الدستورية؟.. هل منح كل هذه الصلاحيات الواسعة للبرلمان مثلا في مواجهة الحكومة مجرد مسألة شكلية؟
نستطيع ان نتفهم ان تقول الوفاق وإتباعها ان هذه الإصلاحات هي جيدة ومحل ترحيب، لكنها لا تكفي والمطلوب المزيد من الإصلاح. هذا ما يقول به المنطق الوطني المسئول.
اما ان يقال هكذا ان أي إصلاح ايا كان ما هو الا إجراء شكلي، فان الأمر يمثل كما ذكرت احتقارا لعقول الناس ولذكائهم. والأمر يمثل ما هو أخطر من هذا في الحقيقة.
السؤال هو: اذا كانت كل هذه المبادرات والإصلاحات «شكلية» ومرفوضة ولا قيمة لها اطلاقا في تقدير هؤلاء، فما هو بالضبط «غير الشكلي» بالنسبة إليهم الذي يمكن ان يرضيهم؟
الجواب معروف. «غير الشكلي» هو ان ترضخ الدولة والمجتمع كله لهم، وان يقبل الجميع بكل أجندتهم وكل مطالبهم الطائفية، التي هي أجندة انقلاب على الدولة والمجتمع. وهم في سبيل ذلك لا يترددون كما نعلم في اللجوء إلى كل أساليب العنف والتخريب والترهيب والترويع.
الحقيقة ان البحرين تواجه معضلة بل مصيبة كبرى مع هؤلاء.
نحن ازاء قوة لا تريد للوطن إصلاحا ولا تريده ان يخرج من أزمته.
نجن ازاء قوة تريد اغتصاب إرادة الناس ولا تحترم حتى عقولهم.
نحن ازاء قوة تمثل خطرا داهما على الدولة والمجتمع، ومستعدة ان تحرق الأخضر واليابس على أمل ان تتمكن من فرض أجندتها الطائفية الانقلابية.
السؤال الذي يجب ان يطرح بداهة، هو كيف يجب التعامل مع قوة مثل هذه؟
معلوم ان الكثيرين يطالبون الدولة بأن تقرر ما الذي يجب عمله، وان تحسم هذا العبث بمصير الوطن كله.
والدولة مسئولة من دون شك.
لكن في نفس الوقت، فإن المجتمع نفسه يجب ان يقرر موقفه من هؤلاء ويعلنه. وحين نقول المجتمع فنحن نعني كل أبناء الوطن، بمن في ذلك أبناء الشيعة الوطنيون الشرفاء، الذين يغتصب هؤلاء ارادتهم، والذين باسمهم يتخذون هذه المواقف المدمرة.