Wednesday, May 2, 2012

ابن الحزب وأبناء الثورة

بعد أن نجحت الثورة المصرية في إسقاط الرئيس مبارك، ثارت أسئلة كبيرة في مصر، وانشغل المصريون والذين تربطهم بمصر مصالح مختلفة بما سيجري في هذا البلد الكبير، أسئلة حول دور الجيش في الحياة السياسية بعد نصف قرن من السيطرة، وأخرى حول القوى المرتبطة بالنظام المصري الذي سقط رئيسه، كان هناك قلق حول كل الأمور، وأكثر ما كان يلح في تلك الفترة السؤال عن جماعة الإخوان المسلمين، ما الدور الذي ستحظى به الجماعة في الحياة السياسية، وما طبيعة مواقفها المنتظرة من مختلف القضايا، في أمور الحكم على وجه الخصوص، وفي قضايا المجتمع الأخرى بكل تأكيد.
الإجابة عن سؤال الإخوان المسلمين في مصر وقعت بين أيادٍ كثيرة، منها ما هو محتقن بشكل هستيري من الجماعة، وأخرى تؤيد الجماعة وإن ناقضت كل أهدافها ومواقفها المعلنة دفعة واحدة، أظرف ما في الأمر اتهام بعض الداعمين التاريخيين لنظام مبارك أن الجماعة خانت الثورة، والأظرف منه ادعاء بعض جماهيرها أنها قادت الثورة المصرية، وفي الرأيين إجحاف كبير في حق جماعة الإخوان المسلمين ودورها في الثورة المصرية، فهي لم تخن الثورة على الإطلاق، ولا قادتها، لعبت الجماعة أدوارا عدة ومهمة كقوة سياسية واجتماعية ودينية في الحياة المصرية بشكل عام، وفي الثورة على وجه التحديد، ونحن بحاجة لمراجعات جادة لمواقف الإخوان من هذه الثورة وفهم منطلقاتها بشكل منهجي، بعيدا عن هوجة المهاترات المزدهرة هذه الأيام في عالمنا العربي.
قلت مرة في موقع تويتر: إن الإخوان أبناء حزب لا أبناء ثورة، ولم أقصد من العبارة التقليل من قيمة الحركة في الثورة المصرية، لكن كل ما يقومون به يعزز أهمية البعد الحزبي المؤثر في قرارات الإخوان، وهو ما أكدت عليه المواقف اللاحقة للجماعة، والسابقة كذلك، انطلاقا من حوارها مع عمر سليمان رئيس مخابرات النظام السابق والثورة قائمة في ميدان التحرير، مرورا بموقفها من الاستفتاء على الإعلان الدستوري، والتجانس الكبير الذي أظهرته مع المجلس العسكري، والذي كان مسعاه لإجهاض نتائج الثورة في غاية الوضوح، وصولا إلى تعهدها الذي نقضته بعدم الترشح للرئاسة، وحربها المفتوحة مع أبوالفتوح أفضل مرشح إسلامي لرئاسة مصر، ولأسباب حزبية تنافسية شخصية فقط، دون أن ننسى تعسف الجماعة في عضوية اللجنة التي ستقوم على كتابة الدستور، ونزعتها اللاتوافقية في قضية وطنية حساسة تتعلق بمستقبل البلد ومصير أبنائه.
هل جملة المواقف السابقة تعبر عن شيء ما؟ وهل يشير ذلك إلى غير النزعة الحزبية المصلحية الضيقة؟ هل نلام إن قلنا بعد كل هذه المواقف عن الإخوان في مصر إنهم أبناء حزب لا أبناء ثورة؟ فأبناء الثورة لا يعرفون سوى التضحية والاندفاع القوي الجارف نحو الأهداف الجامعة ونحو مصلحة الجماعة لا مصلحة الأفراد، والجماعة هنا تعني عموم المواطنين لا أعضاء مكتب الإرشاد والنافذين منهم على وجه التحديد، ولا تعني مصالح خيرت الشاطر الذي ينوي إعادة إنتاج مجتمع رجال الأعمال الحاكم في مصر، لكن بلحية وعباءة دينية هذه المرة.
لا مزايدة على الإطلاق فيما تعرض له الإخوان المسلمون في مصر من ظلم، ولا نقاش على الإطلاق في حق الجماعة بممارسة السياسة وحكم البلاد برمتها، لكن كل ما تقوم به يجهض هذا الحلم، وقد شاهدنا كيف انشق شباب الجماعة عنها بسبب تراكمات الأخطاء القاتلة، وسنشهد في قادم الأيام مزيدا من التسرب، بسبب ما تقوم به الجماعة من دعم فرص أزلام النظام السابق مثل عمرو موسى وغيره على حساب المناضلين الكبار، بعد أن أعادت لنا عمر سليمان مرشحا للرئاسة لولا لطف الله، وبعد أن أمدّت في عمر المجلس العسكري بالتنسيق معه والتحالف معه على حساب الثوار، وكادت تستمر في ذلك لولا الاختلاف بينهما على الحصص المفترضة.
أخشى أن تتمادى الجماعة في سيرها خلف لوبي الأعمال في مكتب الإرشاد بقيادة الشاطر، وأخشى أن تستمر في فشلها الذريع في علم السياسة والمواءمات والتوافق الوطني والتحول الديمقراطي، وأخشى أن تتوهم نفسها جماعة رائدة في الحركات الإسلامية، ولا تنظر إلى تجربة الإخوان الرائدة في تونس، والتي أثبتت أن القوى الدينية هناك تتفوق على نظيرتها في مصر بمراحل، بل بقرون، وأن تؤدي «النرجسية» القاتلة إلى حرمان مصر وأبنائها من حقهم في حياة جيدة.