Wednesday, May 2, 2012

الإسلام السياسي وسقوط المثقف

الإسلام السياسي في الوطن العربي ليس طارئاَ على التراب، فهو يرجع بجذوره إلى الحقبة الأموية، حيث كان الفقه يسير جنباً إلى جنب مع السياسة، وكان الضليعون بهذه الصناعة على دراية بسُلطة الخطاب الديني ومدى قدرته على الإلتفاف حول مطالب الشعوب، التي تطلعت نحو الكمال والسمو، وليس الحرية أو الديمقراطية، لأن هذه المفاهيم لم تكن موجودة عصرئذٍ، وتم تدشينها في عصر النهضة في أوروبا.
ومع بدايات القرن العشرين وبعد ثورة أكتوبر الحمراء، أصبحت الشيوعية هي الموضوع الأول للغناء بالنسبة لطبقة الأنتلجنسية العربية، وساهمت السينما المصرية والفنون والأفلام في الوطن العربي في لجم السلطة السياسية- الدينية، وإعطاء هامش أكبر للحرية في مجال الدولة المدنية أو الدولة الدُنيوية، وكانت إسهامات الحركات اليسارية تصب في مجال الحديث عن الدولة القطرية والدولة القومية، بعيداً عن بحر الشريعة والفقه الإسلامي.
كان السقوط المدوي للدب الأحمر يعني حتماً سقوط قناع المثقف اليساري في الوطن العربي، فذلك المثقف الذي كان وصياً على الثقافة وتمر العلوم من تحت أبطه، وجد نفسه مُلزماً في التخلي عن أطروحته أو العدول نحو إحدى الإتجاهات الفكرية الأخرى، وفي أحسن الاحوال محاولة التجديد في الفكر الماركسي، واللجوء الى طريق ثالث يجمع بعض خصائص العولمة مع قراءة تراثية للفكر الإسلامي الوسيط.
هنا جُف النبع اليساري وبدأت ملامح مرحلة جديدة في البزوغ، وهي المرحلة الليبرالية والإسلامية والطائفية، فعصر العولمة جعل المثقف يعيد حساباته جيداً، وخصوصاً بعد تلك الأطروحات التي تتبنى فكرة موت المثقف، كما صاغها الفيلسوف الفرنسي جان بول سارتر والفلسفة الوجودية بشكل عام، فلم تعد صورة المثقف كما تجلت في السابق، وفي مصر خصوصاً، تخدع إلا بعض الضحايا الرومانسيين، أو المُتشبثين حتى أخمص أقدامهم بالفكر العقدي للماركسية، وهذا ما سماه التوسير ذات يوم، بالماركسية الأرثودكسية (القويمة النقية).
وعلى حين أن هنالك إعتبارات أيديولوجيا خالصة كانت وراء سقوط النجم اليساري، فأن هنالك أيضاً إعتبارات أيديولوجية ساطعة تقف وراء صعود فكرة الإسلام السياسي، منها الثورة الخمينية، واعادة إحياء وترميم ما تبقى من الذاكرة الجمعية للفكر الإسلامي الوسيط، بالإضافة الى الهزيمة الناصرية في 1967م، والتي قادت، فيما قادت إليه، في الرجوع الى نصوص وعقائد، بدلاً من اشخاص، كما كانته الحالة الناصرية، وحسب المثقف أنه وجد نفسه محاطاً بتراث إنساني هائل يشمل التراث اليوناني القديم بشقيه الهيلينستي والروماني الحديث، ومن ثم التراث العربي القديم، بما يحتويه من فقه وأدب وتاريخ، وأيضاً الحداثة المعاصرة، التي بدأت في فلورنسا(إيطاليا)، وأكتملت مع عصر التنوير في فرنسا، على يد كل من جان جاك روسو ودينس دايدرو ودالمبير وغيرهم من اصحاب الموسوعة الشهيرة.
ومن مُتمِمات هذا التحول في المشهد الفكري هو ظهور مصطلح الإحياء، أي إحياء التراث الإسلامي، والدعوة بما هي وسيلة من وسائل الشريعة الإسلامية، وظهر في نفس الوقت، مفهوم تأهيل الأئمة والوعاظ، عبر إنشاء مراكز للتأهيل داخل كليات الشريعة، ومن هنا دخل الفكر الإسلامي عالم السياسة من أوسع ابوابه، بعد أن كان يقتصر على الدعوة أو الإرشاد، وأصبح تأطير الفكر الإسلامي داخل حزب ضرورة فرضتها التطلعات نحو التغيير، وهي نفس الفكرة التي كانت سائدة في الأدبيات الشيوعية، والتي تقول: «بأن الفلسفة مهمتها تغيير العالم بعد أن كان الأوائل يفسرونه».