Wednesday, May 2, 2012

هل نحن ذاهبون إلى فوضى عالمية..؟

يمر العالم هذه الأيام في مرحلة حرجة، تشابه ما كانت عليها الأحوال بُعيد الحرب العالمية الثانية، حيث تغيّرت كل قواعد لعبة القوّة الدولية، وذلك حين برزت قوى وانتهت أخرى، وقد زاد الأمر سوءاً انفجار الحرب الباردة التي تمحورت حول صراع الأيديولوجيات خاصة بين الاشتراكية والرأسمالية، والتي أفضت في النهاية إلى انهيار المبادئ والقيم الإنسانية، وعادت الواقعية هي السائدة، وسما مبدأ قانون القوة على قوّة القانون وعدنا نعاني، عالمياً، من امتداد شريعة الغاب، وسقط الإنسان بين براثن القدرة العسكرية المدعومة بالقدرة الاقتصادية.
وفي لحظة من الزمن انتهى الاتحاد السوفياتي، وتسلّمت الولايات المتحدة قيادة العالم فأودت بالحقوق الإنسانية ودفنت العدالة الاجتماعية والسياسية والفكرية، وأصبحت «الدولة الصغيرة» سلعة تُباع وتُشترى على نواصي الطرق وفي أزقتها. وباتت الأمم المتحدة مرتعاً خصباً لتنافس القوى العظمى التي أعادت، وبكل قوّة، الاستعمار على صيغ هوجاء وهمجيّة وطاردة للاستقلال وحق تقرير المصير. وأصبحت هذه الدول تابعة تعاني من العبوديّة بشكل صارخ. ففي إفريقيا لم تنجح إلا إفريقيا الجنوبية. وفي أمريكا اللاتينية انتشرت الفوضى وامتلك الجوع كل مقدراتها، وأصبحت سياساتها، حتى أنظمتها السياسية تُصنع في واشنطن وأوروبا. وعاد الاتحاد الروسي والصين إلى مواقع المتفرج، وفقدت الدول التي كانت تدور في فلكيهما الحماية، إلى أن جاءت بعض الأزمات الفرعيّة ففتحت الأبواب نحو بعض التغيير في المعادلات الدولية.
أما في الشرق الأوسط فقد رأينا مجموعة من الأحداث تسوق المنطقة إلى حوافي الارتباك والضياع. فلا الدول التي كانت شرقية الهوى تمكنت من الصمود، ولا الدول التي كانت غربيّة الهوى أصبحت قادرة على الإفادة من هذا الانتماء، وأصبح الغَرْبان الأوروبي والأمريكي يديران الأمر الدولي على صورة تخدم مصالحهما الخاصة، حيث فرض حراك مملوء بالفوضى وبالانتقال من حالة السكون إلى الهواء، حالة الارتباك، والإحساس بأن الدول أصبحت تقفز في الهواء، بل وأكثر من ذلك حيث امتلأت الساحة بصدامات داخلية فرضها الاصطفاف المتخالف، وانفجرت صراعات عسكرية بين الأطراف التي من المفروض أن تكون في خندق واحد. ومن المذهل أن هذه النزاعات قد خدمت المصالح الخارجية، وأصبح الاقتتال حروباً بالوكالة.
وتوالت الأزمات الاقتصادية التي أخذت طابعاً شرساً، فكانت العلاقات الدولية تُرسم، في جُلِّها، على مرتكزات النزاع على امتلاك الموارد الطبيعية، وتدهورت بذلك القيم المُثلى، ولم تعد الدول الكبرى تبحث عن الأمن والسلم الدوليين بقدر بحثها عن جمع المقدرات المالية والاقتصاديّة. والأخطر من ذلك أن المفاهيم قد أصبحت تصاغ لتوافق المصلحة الذاتية، أكثر من أن تصاغ على قياسات العدل والمساواة والحق. حتى قتل النفس البشرية أصبح مبرراً بما يتوافق مع المصلحة الشخصيّة والمطامع الفرديّة.
وهكذا فإننا أصبحنا فعلاً متجهين إلى فوضى عالمية، لا يضبطها قانون. بل وإن الكثير منا قد نعى مبادئ القانون الدولي بعد أن أصبح ألعوبة بيد أطراف الاستقواء الدولي، وذلك بعد أن تحوّلت الدول التي من المفروض أن تحمي هذا القانون إلى أول الدول التي تخرقه، جهاراً نهاراً، ووصلنا إلى درجة من الاهتزاز مكنت مندوبة الولايات المتحدة في الأمم المتحدة السابقة أن تعلن أن بلادها تدعو إلى قيام فوضى خلاقّة رغم التناقض الذي يملأ هذه الدعوة.