Wednesday, May 2, 2012

الحرب الطائفية الباردة

هل ما يحدث بين السنة والشيعة في العالم الإسلامي يمكن تصنيفه على أنه حرب باردة بين مذهبين؟ أم أن التوصيف الدقيق له أنه حرب بين كيانات سياسية تستخدم المعتقد المذهبي للترويج لأيديولوجيتها السياسية؟ وهل حقاً يمكن توصيف العلاقات بين إيران ودول الخليج العربي والعراق وتركيا ومصر وغيرها من الدول على أنها (حرب طائفية باردة)؟ في البداية لابد أن نعرف الحرب الباردة حتى يمكننا الحكم على ما يحدث في إقليمنا، حيث عرفت الحرب الباردة كمصطلح يستخدم لوصف حالة الصراع والتوتر والتنافس بين الولايات المتحدة الأمريكية والاتحاد السوفيتي السابق منذ فترة الأربعينيات حتى التسعينيات من القرن الماضي، وانتهت بتفكيك الاتحاد السوفيتي إلى عدة دول أشهرها روسيا التي ورثت كثيراً من مظاهر القوة العسكرية والدبلوماسية عن الاتحاد السوفيتي السابق، واعتبرت هذه النهاية نجاحاً للولايات المتحدة في صراعها مع المعسكر الشرقي بأكمله. وإذا ما طبقنا هذا المفهوم على ما يحدث في بلادنا فإننا سنجد صراعاً وتوتراً بين الكيانات السياسية التي تستخدم المعتقد المذهبي للترويج لأفكارها، وتحقيق أقصى ما يمكن تحقيقه من مصالحها، حتى لو تعارضت مع الآخر المسلم الذي ينتسب لمذهب آخر. ما يثبت صحة هذا التحليل أن المسلمين الأوائل كان فيهم السني والشيعي والمعتزلي والأشعري وغيرهم، وذلك وقت كان المسلمون رواد الحضارة ومصدرها، واعتبر هذا الاختلاف مظهراً صحياً من مظاهر التنوع الفكري، حيث كان الخلاف عقلياً وفلسفياً، ولم يكن عقدياً، بحيث لم يشكك أحدهم في إيمان الآخر، أو على الأقل لم يشهر سيفاً في وجه أحد بدعوى اختلافه معه في الرأي أو المعتقد أو المذهب. إذاً فقضية الصراع متعلقة بإرادة السيطرة والهيمنة، وامتلاك القوة، وهذا كله جيد إذا ما وجهت هذه القوة إلى الأعداء الحقيقيين للأمة الإسلامية، أما إذا كانت الرغبة في السيطرة والهيمنة موجهة إلى بعض الدول المسلمة، وهو ما تفعله إيران على سبيل المثال، فإن المستفيد الأول من هكذا صراع هم الأعداء الحقيقيون للمسلمين، الذين يريدون تشتيت الجهود وتمزيق الصف، ويفهم في هذا السياق تغذية بعض الأطراف الغربية للصراع السني الشيعي، لأنه يحقق لهم كل أهدافهم، كما يؤيد هذه الرؤية ما ذكره ليبرمان وزير الخارجية الإسرائيلي من أن الخطر الحقيقي والعدو الحقيقي لإسرائيل مصر وليست إيران، على اعتبار أن ما تقوم به إيران من تدخل في شؤون دول الخليج العربي، واحتلال لبعض أراضيها، وما تشنه من حملات إعلامية على العرب، إنما هو متوافق مع المصالح والأهداف الإسرائيلية التي يسعدها اتساع هوة الخلاف بين المسلمين، لأنهم حينذاك سينشغلون بمعاركهم الداخلية، ولن يكون لقضايا مثل تحرير القدس، أو مساندة القضية الفلسطينية، وجود على قائمة أولوياتهم. إن ما يحدث في بلادنا من حرب طائفية باردة تستخدم فيها المنابر والمآتم والقنوات الفضائية والمواقع الإلكترونية على اختلاف مسمياتها لهو أمر بالغ الخطورة، وإذكاء هذه النزاعات عبر التصريحات والممارسات السياسية غير المسؤولة يطيل أمد هذه الحرب غير المعلنة، ويقدم لأعدائنا الحقيقيين فرصة ذهبية للتخلص منا جميعا بعد أن تخور قوانا وتستنزف مواردنا