Wednesday, May 2, 2012

عندما تنهار الإدارات الأميركية

انهيار الإدارة الأميركية يعد أمرا مألوفا، ففي كل فترة رئاسية تقريبا، تحين لحظة تسيطر فيها الفوضى المطلقة، سواء كانت مسببة ذاتيا أو ناجمة عن أزمة خارجية.
فأما ليندون جونسون، فقد دمرته فيتنام تماماً بحلول عام 1967. وأما ريتشارد نيكسون، فقد عملت فضيحة "ووترغيت" على تفكيك إدارته، فيما استقال هو موسوماً بالخزي في وجه اتهامات مؤكدة. وأما جيرالد فورد، فلم يتمكن من التغلب على التضخم، ولم تتم إعادة انتخابه. وأما جيمي كارتر، فقد وجد نفسه مهزوماً بفعل أزمة الرهائن الأميركيين في إيران وارتفاع أسعار النفط.
ولفترة من الوقت، بدت ولاية رونالد ريغان الرئاسية الثانية، وكأنها لن تنجو من فضيحة "إيران-كونترا". ولم يتمكن جورج بوش الأب من العودة إلى الرئاسة، بعد أن نكث بوعده بعدم رفع الضرائب، ودخل روس بيرو السباق الرئاسي في عام 1992. وأقيل الرئيس المحبوب بيل كلينتون إثر قضية علاقته بمونيكا لوينسكي، وخرج من مكتب الرئاسة ملطخاً بالعار. وتراجع تأييد جورج بوش الابن إلى الأبد، بسبب المقاومة المسلحة في العراق وتداعيات إعصار كاترينا.
وفي الآونة الأخيرة، بدت إدارة الرئيس الأميركي باراك أوباما وكأنها توشك على أن تشهد أحد تلك الانهيارات الرئاسية. فقد التقط ميكروفون مفتوح حديثاً للرئيس أوباما، وعد فيه نظيره الروسي المنتهية ولايته ديمتري ميدفيديف بأنه سيكون أكثر مرونة بعد الانتخابات، كما لو كان أوباما قادراً على منح امتيازات من شأنها ألا تلقى استحساناً، إذا تم إطلاع الشعب عليها قبل نوفمبر. وجاء ذلك الموقف المحرج، بعد حديث سابق عبر الميكروفون في العام الماضي، تضمن إهانة لرئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو.
وعلى نحو بعيد عن الحكمة، هاجم الرئيس أوباما المحكمة العليا أثناء تداولها دستورية برنامج "أوباما كير". فأشار بلا داع إلى القضاة بـ"غير المنتخبين"، وادعى خطأ أنهم نادراً ما ألغوا قوانين تتعلق بالتجارة. وكانت الزلة بشأن المحكمة وتاريخها محرجة بشكل مضاعف، لأن أوباما غالباً ما ذكّر الشعب الأميركي بأنه كان يدرّس القانون الدستوري.
وعلى نحو طائش، هاجم الديمقراطيون الكنيسة الكاثوليكية، على أساس أنها لم تؤيد الدعم الفيدرالي لوسائل منع الحمل والعقاقير المحفزة للإجهاض. وسرعان ما تحول شجار غير مبرر آخر، إلى معركة لا لزوم لها مع الأساقفة الكاثوليك. ولتوسيع نطاق الجدل بدرجة أكبر، زعم نائب الرئيس الأميركي جو بايدن ورئيسة اللجنة الوطنية في الحزب الديموقراطي ديبي واسرمان شولتز، أن الحرب ضد وسائل منع الحمل كانت جزءاً من حرب جمهورية أوسع على النساء.
ولكن هذه الدراما النفسية الجديدة، انفجرت في وجه الإدارة الأميركية عندما ادعت المستشارة الديمقراطية هيلاري روزين، أن آن رومني، زوجة المرشح الجمهوري المفترض ميت رومني، "لم تعمل يوما في حياتها". وفي الواقع، فإن السيدة رومني اللطيفة، ربت خمسة أبناء، ونجت من مرض التصلب المتعدد وسرطان الثدي.
وازداد هذا الهجوم السخيف سوءاً، عندما تسربت أنباء تفيد بأن رواتب الموظفات في البيت الأبيض كانت، في المتوسط، أقل بنسبة 18% من رواتب نظرائهن من الرجال هناك. وفي الوقت نفسه، تم فصل 11 من عملاء الخدمة السرية المكلفين بحماية الرئيس خلال رحلته إلى كولومبيا، بسبب تورطهم في قضية دعارة. وقبل ذلك بفترة غير طويلة، ضبطت إدارة الخدمات العامة وهي تهدر مئات الألوف من الدولارات على وليمة في لاس فيغاس، مما أدى إلى استقالة مديرة إدارة الخدمات العامة.
وعمد الرئيس أيضا إلى مهاجمة الأغنياء بـ"قاعدة بافيت"، التي من شأنها أن تضمن دفع أصحاب الملايين، أمثال صديقه وارن بافيت، ضريبة دخل لا تقل عن 30%. غير أن الضرائب الفيدرالية التي دفعها كل من أوباما وزوجته ميشيل، على الـ790 ألف دولار التي حصلا عليها في عام 2011، لم تزد كثيراً على 20%. وحتى لو تم تمرير هذه القاعدة، فإن العائدات الجديدة التي ستحصل عليها وزارة خزانة أوباما، ستقل عن 1% مما تقترضه كل عام.
ومن شأن تأثير كل هذه الأخطاء غير اللازمة، أن تجعل إدارة الرئيس أوباما تبدو غير كفء، لا سيما في الوقت الذي يتوحد الجمهوريون حول رومني، ويضعون حداً لمعاركهم الطويلة التي شهدتها الانتخابات التمهيدية. وقد أظهر بعض استطلاعات الرأي، أن رومني تقدم فجأة في السباق الرئاسي.
والسؤال هو: لماذا يقوم الرئيس بإثارة هذه المشاجرات الحمقاء بتهور؟
يبدو أن فريقه يرغب في صرف الانتباه عن الأخبار الاقتصادية القاتمة عموما، إذ لا يزال الاقتصاد يعاني من ارتفاع كبير في أسعار الوقود، ومن معدل بطالة مرتفع بشكل مزمن ويزيد على 8%، ومن نمو متباطئ، ومن عجوزات سنوية متسلسلة بلغت تريليون دولار، ورفعت قيمة الديون إلى 16 تريليون دولار.
وغالباً ما تؤدي هذه العواصف الكاملة، إما إلى تدمير الرؤساء أو إلى تحويلهم إلى بطات عرجاء لا تحظى بشعبية. ويجب على أوباما أن يتعلم من مصير أسلافه: هناك في العالم ما يكفي من القوى لتدمير رئاسة ما، فلا داعي لأن يوجد هو مزيداً منها.