Wednesday, May 2, 2012

خطورة الفساد: أمثلة من العالم

يتبين للمجتمع الدولي أكثر فأكثر أهمية بل ضرورة محاربة الفساد لتحقيق النمو. فالمرشح الاشتراكي "فرنسوا هولاند" جعل من الفساد أحد أهم المشاكل التي تعاني منها فرنسا، علما بأن الفساد الفرنسي أدنى بكثير مما نعرفه في لبنان أو في العالم العربي عموما.
ولا شك أن من أهم أسباب الانتفاضات الشعبية العربية هي الفساد السياسي والمالي الذي تزايد في غياب الديمقراطية وانعدام الشفافية والمحاسبة. فشعوب اليوم عموما لم تعد تقبل بالفساد، بل تعي سيئاته وتحاول التخلص منه. أملنا ألا ننتقل عربيا من أنظمة فاسدة إلى أخرى لا تقل فسادا، فهذا هو التحدي الأكبر الذي يواجهنا.
روسيا، وكما يعلن الرئيسان ميدفيديف وبوتين، تعاني من الفساد أي تقع في المرتبة 143 في مؤشر الشفافية. من أسوأ مظاهره تضارب المصالح الذي منع الاقتصاد حتى اليوم من إعطاء نتائج أفضل. يقول الرئيسان إن روسيا تحتاج إلى منافسة أكبر ليس في السياسة فقط وإنما في الاقتصاد أيضا. تحتاج روسيا إلى تطبيق القوانين واحترام المؤسسات وإلى تعزيز الانفتاح الاقتصادي والمحاسبة والشفافية في كل شيء.
في روسيا ارتفع الناتج 9 مرات بدولار اليوم خلال 9 سنوات حيث بلغت حصة روسيا 2.8% من الاقتصاد العالمي. يبلغ الناتج الفردي حوالي 12 ألف دولار أي حوالي ربع الأمريكي. من أهداف الإدارة الجديدة للرئيس بوتن رفع الناتج الفردي إلى نصف المستوى الأمريكي قبل سنة 2020. فهل يستطيع تحقيق الهدف رغم التحديات التي يمكن تلخيصها بالإضافة إلى الفساد، تردي نوعية البنية التحتية خاصة الطرق، ضعف الاستثمارات من الناتج مقارنة بالدول المجاورة، عدم القيام بإصلاحات كافية في قطاعات أساسية كالتعليم والصحة وتحديث القوانين. ما زالت الإدارة العامة في إنتاجيتها وسوء أدائها تشكل عائقا أمام التقدم وأمام التنفيذ المقبول للسياسات الحكومية. بالإضافة إلى التضخم المرتفع المقدر ب 15%، تسيطر 5 مصارف رسمية على القطاع مما يؤكد على سوء الأداء في الأسواق التنافسية. العامل الإيجابي الأساس هو انضمام روسيا إلى منظمة التجارة العالمية بعد سنوات من الجهد، مما يجعلها مقبولة أكثر في المجتمع الدولي بحيث يرتفع نموها السنوي بين نصف وواحد بالمائة أيضا كنتيجة مباشرة للعضوية.
الصين دولة أدهشت العالم في نموها وأصبحت مضرب مثل للتضحيات المجدية والناجحة. تدخر الصين نصف ناتجها رغم المستوى المتدني للناتج الفردي. ترافق التحرير المالي المتواضع مع زيادة في المنافسة والتنافسية في الاقتصاد مما أبقى على النمو قويا أي عكس ما حصل مع اليونان. تقع الصين في المرتبة 27 في مؤشر التنافسية الدولي السنوي الذي يصدره مؤتمر دافوس. فنمو العشرة بالمائة لسنوات طويلة فريد من نوعه مما جعلها الاقتصاد الثاني في العالم وقريبا جدا الأول، أي ستتفوق على الولايات المتحدة خلال أقل من عقد من الزمن. لكن الاقتصاد الصيني ليس مثاليا إذ تبقى له مشاكل كبرى أهمها الفساد المقنع بالسياسة وسوء توزع الدخل وارتفاع الفقر في المناطق الريفية وسوء التقديمات الصحية كما الكثير من التحديات في قطاع الطاقة والتأثير على البيئة. المطلوب من الصين اليوم، وبسبب دورها الدولي المتزايد، أن تنشط استهلاكها لمصلحة الاقتصاد العالمي. نسبة الاستهلاك من الناتج لم يتعد ال %50 بعد، والمطلوب غربيا رفعه إلى حدود %70 عبر تعديل سعر الصرف، لكن المشكلة تكمن في إقناع المواطن بتغيير عاداته الادخارية التي مارسها لعقود إن لم يكن لقرون.
توافر الفساد وبالدرجة التي ينتشر فيها لا يرتبط بالضرورة بالغنى المادي، بل يتعلق كثيرا بالثقافة والتاريخ والقوانين. رواندا دولة إفريقية فقيرة تناضل من أجل النمو وتنعم في الوقت نفسه وتاريخيا بفساد قليل جعلها تحتل المرتبة 49 في مؤشر الشفافية. رغم الكثير من التقدم، ما زال الروانديون فقراء ويعتمدون إلى حد بعيد على الهبات الخارجية. إنتاجها وصادراتها الأساسية هي البن أي غير متنوعة وإيراداتها الرسمية ضعيفة وتحتاج إلى استثمارات كبيرة في البنية التحتية. طقسها رائع وتجذب السواح وفي مقدمهم الألمان رغم أنها كانت تحت الاستعمار البلجيكي. يهدف مشروع الدولة لسنة 2020 إلى نقل الاقتصاد من وضع فقير إلى متوسط. وتكمن المشكلة في التمويل الذي تحتاج إليه البلاد ليس فقط لتطوير البنية التحتية وإنما أيضا لتعزيز الموارد البشرية.
الفساد يعيق التطور أي يضرب النمو والموازنات ويوسع فجوة الدخل بين الأغنياء والفقراء. في باكستان مثلا، وحدهم 15 مليون شخص من أصل 179 مليون يدفعون الضرائب مما يجعل الاقتصاد غير الرسمي أو اقتصاد الظل يشكل حوالي 36% من الناتج. باكستان ليست وحدها التي تحتوي على قطاع غير رسمي كبير، إذ تبلغ نسبته من الناتج 44% في روسيا، 39% في البرازيل، 35% في مصر، 31% في تركيا 22% في الهند و13% في الصين. حتى في الدول الغربية ينتعش القطاع غير الرسمي للتهرب من الضرائب إذ يصل إلى 9% في الولايات المتحدة، 16% في كندا، 27% في إيطاليا و28% في اليونان. تهتم الحكومات بتصغير هذا القطاع لزيادة إيراداتها وتمويل إنفاقها، لكن النشاط غير الرسمي بالتعاون مع الفاسدين السياسي والإداري يبقى كبيرا وقويا. يرتبط اقتصاد الظل بالنشاطات الممنوعة التي تزعزع هيكلية الإنفاق العام، أي عوض الإنفاق على الحاجات المعيشية الأساسية تضطر الدول إلى إنشاء السجون وتعزيز الشرطة كما وسائل المكافحة والرقابة.