Wednesday, May 2, 2012

متى تصحو الضمائر

كشفت الأزمة الاحتجاجية العنيفة غير المسبوقة في مسار الحركة الوطنية في البحرين، التي كانت موطن المحبة وموئل التسامح على مدى الأزمان، عن مواقف الدول وأظهرت بشكل جلي حقائق لا ينبغي أن يغفلها الشعب البحريني حتى وإن انتهجت الدولة سياسة خارجية راعت فيها الأعراف الدبلوماسية مع تلك الدول كبيرها أو صغيرها، إذ أن الشعب البحريني بكل مكوناته أصبح على علم أكيد بمختلف المواقف الصادرة عن الدول والمؤسسات والأفراد من أزمته، كما بات متيقنا بعد أن اكتوى بالأضرار المباشرة في أمنه وسلامته من مواقف تلك الدول والمؤسسات والأفراد التي ساندت جمعية «الوفاق» ومن دار في فلكها من أتباع، الذين لا يشكلون جزءا مهما في المجتمع البحريني، حتى وإن ادعت هذه «الوفاق، كذبا وبهتانا، تمثيلها للطائفة الشيعية الكريمة، سعيا منها لاتخاذ المذهب شعارا للسطو على الطائفة وهي تزعم بأنها الممثل الشرعي والوحيد لها، والحال أن الطائفة الشيعية الكريمة من «الوفاق» براء، بل إنها – أعني «الوفاق» ومن لف لفها - تدرجت في مراقي كذبها خطوة بالزعم عبر شعار «الشعب يريد» أنها صوت الشعب البحريني ولسان أطيافه كافة ونحله المختلفة ومذاهبه المتعددة. وأحسب أن في تسميتها بـ»المعارضة الشيعية» ما يوضح طبيعة هذه «المعارضة» التي يجري الحديث عنها في الإعلام الغربي غير المدرك بحقيقة هذه الجمعيات الطائفية التي ارتمت كلية خلف أجندة مذهبية إيرانية تسعى إلى مد نفوذها السياسي إلى الغرف الداخلية لصناع القرار في دول مجلس التعاون. لقد جرّت «الوفاق» معها من جرّت من أولئك الذين أضاعوا بوصلة النضال الوطني ليدخلوا البلاد في متاهات الطائفية وفي سدم السؤال الإيراني الباحث عن مجد لا محل له هنا على هذه الأرض، هذه الأرض التي رسم أهلها بعناية فائقة مشهديتها الاجتماعية الفسيفسائية مما يعبر عن حيوية هذا الشعب وانفتاحه الاجتماعي الوطني وتطلعاته الكونية. لقد أدارت جمعية «الوفاق» وشقيقاتها ومشتقاتها بسادية سياسية فاقعة عملية طحن مشاعر أهل البحرين جميعا في رحى الطائفية بدون هوادة دون استثناء، بدواع مذهبية مقيتة، بناء على أوامر واجبة التنفيذ دون إبطاء، صدرت عن الولي الفقيه القابع في قم للتدخل في الشأن البحريني وافتعال أحداث فيها تصب كلها في مجرى ترتيبات سياسية غايتها إنقاذ النظام المترنح في دمشق، وهي لا تتوانى في توظيف هذه الأحداث لتكون عضدا لها تواجه به مأزق الأحداث الشديدة الإيلام الذي يشاركون فيه بشكل مباشر في سوريا حماية لحليف استراتيجي يشكل لهم على الدوام نفوذا يستغلونه ورقة ضغط سواء في حواراتهم المباشرة مع دول الغرب أو في حواراتهم غير المباشرة مع الولايات المتحدة الأمريكية. إن التخفي وراء شعارات الإصلاح لن ينفع تلك الجمعيات بعد سقوط الأقنعة، لأن سبل المخاتلة قد انسدت أمامها، ولأن أهل البحرين قد ضاقوا ذرعا بأشواك العنف التي زرعتها أذرعة ولاية الفقيه ابتغاء التخفيف على الحليف السوري، والأهم من كل ذلك، في تقديري، إن مسيرة الإصلاح في مملكة البحرين تحتكم إلى سيرورة تاريخية طبيعية أرست للدولة مؤسساتها الدستورية وقوانينها وتشريعاتها الراعية لحقوق المواطنة والإنسان، ورامت تغيير الأنفس حتى يعكس المواطن في سلوكه اليومي مدنية الدولة، ولعل التعسف على هذه السيرورة أو اتخاذ رهاناتها الاستراتيجية شعارا لحراك يطلب الباطل بالحق لهو أكبر خطر يهدد نسيجا اجتماعيا بحرينيا بهت لونه بأحداث الدوار التي اختلط فيها الوطني بالمذهبي بالإيراني الدخيل، ولكنه بعقيدة الوطن الكامنة في نفوس أبنائه عائد إلى نضارته وألقه وتألقه وحيويته. لقد تعددت مسميات تلك الاحتجاجات التي عايشتها البحرين، فأسهمت في ضياعنا في متاهات التوصيفات التي تطلق عليها، فمن قائل أول بأنها واحدة من «ثورات الربيع العربي» مثلما هو الحال بالنسبة إلى عدد من المدافعين عن هذه «الثورة» والمؤرخين ليومياتها في الإعلام البحريني والمساهمين من حيث يعلمون أو لا يعلمون في توسيع الشقاق الطائفي وإن كانوا ينالون إطراءات من بعض نفر غرتهم مقولات «الوفاق» الطائفية، إلى قائل ثان بأنها ـ»الثورة الإسلامية» على رأي الولد السياسي المشاغب مقتدى الصدر، زعيم ميليشيا جيش المهدي الذي كان دوره مازال بارزا في العراك الطائفي المحتدم في العراق، سواء بتهجير مخالفيه في المذهب أو قتلهم كما حدث في 2006-2007، وأحسب أن هذا لوحده سبب كاف يدفع للطعن في مشروعية مساندة «الملا أتاري» «للوفاق». إلى قائل ثالث يصفها بـ»الثورة المدنية» مثل علي سلمان وأبو «جل» على رأي الكاتبة سوسن الشاعر. وكما هو واضح فكل هذه التوصيفات والنعوت تذهب إلى التعتيم عن الصفة الحقيقية التي طبعت كل السلوك الاحتجاجي منذ الرابع عشر من فبراير باستبعاد الصبغة الطائفية عن هذا الحراك المشبوه وإخفائها في مخاتلة لم ولن يُكتب لها النجاح. إن الثورة أو الانتفاضة، وهذا ليس تنظيرا، فعل شعبي جماعي، تنبني أسبابها في قاع المجتمع ويشكل الواقع الاقتصادي والاجتماعي والسياسي المترهل أهم أسباب تفجرها العفوي وحتى المنظم. وهذا الواقع بعيد كل البعد عن المجتمع البحريني الذي يعيش فترة من أكثر الفترات رخاء اقتصاديا واجتماعيا وحقوقيا، وانفتاحا سياسيا لا ننكر حاجته إلى الدعم والتطوير والمساندة ولكن هذا بالتأكيد لا يأتي بافتعال أسباب مذهبية طائفية يحلو للبعض وصفها بـ»الثورة» لتمرير ذلك إلى وسائل الإعلام تمريرا تدرج به احتجاجات البحرين ضمن ما يقع في بعض البلدان العربية التي لا نعرف بعد ما الذي جنته من «ربيعها». وهذا توصيف، على أي حال، نعتقد بعدم دقته بالنظر إلى ما آلت إليه الحال في الدول التي تفتق فيها الربيع ولم نشهد أزهاره ووروده بعد. وأجدني في هذا المقام مجبرا على طرح سؤال نما عندي في خضم التفكير في الحال المفتعلة التي زجت بنا فيها جمعية «الوفاق» ومداره: «كيف لقيادات «الوفاق» أن تنجو من عذابات الضمير الدنيوي الذي لا بد له في يوم من الأيام من أن يستيقظ من سكرات المذهبية، ويفيق من سباته العميق في حضن الراعي الإيراني، ليواجه حقيقة الواقع البحريني المتحاب؟» لن أنتظر إجابة هنا ولكني أقول إن الشعب البحريني بكل مكوناته وبكل أطيافه السياسية وغير السياسية لن يرحم «الوفاق»، وسوف يودع مزبلة التاريخ كامل عملها واستهتارها بمستقبل البلاد، أليس كذلك؟