Wednesday, May 2, 2012

كل عربي فلول أو أزلام لعربي آخر

ماذا سيقول مؤرخ عربي بعد عقود وهو يقرأ أحداث سنة 2012؟ ويريد أن يستخلص بعض الحقائق من خلال هذا الضجيج المحيط بالربيع العربي! أتوقع أنه سيصاب على الأقل بصداع الحيرة والضياع وسط غوغاء المصطلحات أو في أسوأ الأحوال يصاب بانهيار عصبي. والأسباب كثيرة لكن أبرزها هو أنه سيكتشف أن 350 مليون مواطن عربي هم من الفلول أو الأزلام! نعم من الفلول في نظر وتقييم خصومهم. وإليكم بعض الكشوف التي لا تحتاج إلى دليل لأنها أصبحت البضاعة السياسية الرائجة هذه الأيام في سوق التجاذبات والمناورات في تونس ومصر واليمن وليبيا وسوريا وسائر بلاد العرب.
الذين تحملوا بعض المسؤوليات حتى الإدارية البسيطة في الدولة ما قبل الثورات لمجرد كسب العيش وأداء دور عادي لا صلة له بالسياسة أصبحوا مصنفين من قبل ثوار اليوم بكونهم من الفلول ولا فرق لدى ثوار اليوم بين من خدم منظومة الفساد ومن خدم الدولة أي جهاز الإدارة اليومية للمواطنين. وسقطت حتى النخبة ذاتها أحيانا في هذا التصنيف الجائر لا تفرق بين الدولة والنظام لأن الدولة قطاع عام وخادم لمصالح الشعب أما النظام فهو شبكة المستفيدين والمضاربين والسماسرة المتاجرين بقوت الناس وشتان بين مواطن كان يملأ مكانه في إحدى وزارات أو إدارات أو دواوين الدولة وبين لص استغل علاقاته بعصابات الفساد ولم يرع حرمة ولم يقرأ حسابا ليوم حساب.
اليوم نجد الجميع في كيس واحد كتب عليه (فلول النظام البائد). وقس على ذلك أيضا آلافا من رجال الأعمال الذين دخلوا عالم الاستثمار فأقاموا المصانع والشركات وشغلوا عشرات الآلاف من شباب بلادهم بل توسعت نشاطاتهم لتمتد لبلدان عربية أخرى وسمعت كثيرا من سادة اليوم يلقبونهم بفلول النظام المخلوع بل ويعاقبونهم على نجاحاتهم كأنما كان المطلوب منهم أن يتركوا أعمالهم وصفقاتهم ليتحولوا إلى سياسيين راجمين بالغيب يتكهنون بانقلاب الأمور رأسا على عقب فيساندون حزبا دون حزب ويضخون أرصدتهم في موازين السياسة.
وفي الضفة الأخرى نجد أن بعض الإسلاميين والسلفيين يصنفهم العلمانيون والليبراليون بكونهم فلولا لأفغانستان وباكستان والسعودية وقطر وأن إسلام تونس تونسي وإسلام مصر مصري وإسلام اليمن يمني وإسلام ليبيا ليبي وبالطبع كرد فعل عادي ومتوقع فإن العلمانيين يتحولون إلى فلول الغرب وأحزاب فرنسا وبريطانيا والمخابرات الأمريكية. إنها بالفعل حرب كلمات ولكنها تصبح أحيانا حرب لكمات في الشوارع والساحات بين فلول وفلول مضادة.
وتأمل معي يا قارئي العزيز حوارات الفضائيات لتجد أن عبارة (فلول) هي الأكثر استعمالا وقد ضرب برنامج صديقنا الفاضل المتميز د. فيصل القاسم الرقم القياسي في تكرار هذه العبارة السحرية بتلويناتها المختلفة والمتضاربة حتى أني اقترحت على الزميل فيصل تغيير عنوان برنامجه الشهير من (الاتجاه المعاكس) إلى (لقاء الفلول) أو (ساحة وغى الفلول) لأن أول ما يبدأ (الهواش) يتم تصنيف المتقابلين إلى فلول لجهة حكومية أو إيديولوجية أو أطراف مجهولة وينطلق سيل التهم من هنا وهناك بالتوازي والعدل وتصوروا فإن فيصل القاسم نفسه لم يسلم في عديد برامجه من نعته بكونه من الفلول إما للنظام السوري أو لدولة قطر ومجلس التعاون أو لأحد مجالس الثورة السورية وهي اليوم عديدة ومتضاربة وتتهم بعضها البعض هي الأخرى بالانتماء للفلول.
ولا تظن نفسك ناجيا من وصمة الفلول يا أخي القارئ إذا ما ابتعدت عن الأحزاب وآثرت السلامة فإنك سوف تصنف ضمن فلول المهمشين والقاعدين والمتفرجين وهي فلول خطيرة على الناشطين الذين حملوا أنفسهم أمانة صنع التاريخ. أما إذا حلت عليك لعنة السياسة فاشتركت في حزب تقليدي فأنت من فلول العهد البائد وأذيال أعداء الثورة أو من حزب الثورة المضادة وإذا اشتركت في حزب يساري فأنت من فلول ستالين ولينين وإذا انخرطت في حزب إسلامي فأنت من فلول الرجعية وأعداء الحداثة والدولة المدنية.
اللهم سترك يا رب لكي لا يتحول 350 مليون عربي إلى جيوش من الفلول وجماهير من الأزلام!