Wednesday, May 2, 2012

قولوا لنا ما هي.. القيم الأميركية؟

في تعليقها على قيام القس الاميركي المتطرف تيري جونز باحراق نسخ من القرآن الكريم في ولاية فلوريدا، قالت المتحدثة باسم الخارجية الاميركية فيكوريانولاند في بيان لها، انها تعتبر مثل هذه الأعمال مدعاة للحزن (..) وغير لائقة وبأن هذه خطوة قام بها «فرد» ولا تعكس بأي شيء «قيم» الشعب الاميركي او الادارة الاميركية!!
العبارة والمفردات الهابطة والمتغطرسة التي وردت فيها تقول كل شيء ولا تقول شيئاً، وهي كلمات ومفردات ومصطلحات مغسولة ومُسْتَهلَكة ولم تعد تقنع احداً لأنها في الاساس تنهض على مفاهيم ملتبسة وتفوح منها رائحة الاستكبار واحتقار الآخرين والتقليل من شأنهم وآرائهم وبالذات خصوصياتهم الثقافية والحضارية.
وكم بات ضرورياً وعاجلاً التساؤل فعلاً وعن حق، ما هي هذه القيم الاميركية التي صدّعوا رؤوسنا بها؟ ولا يزالون يواصلون الادعاء بوجودها والرطانة حول اهميتها وحضورها في المشهد الاميركي بل وعلى امتداد العالم الذي غزته الولايات المتحدة بطرق واساليب ومقاربات أقل ما يمكن ان توصف به بأنها وحشية وغير اخلاقية ودموية ولا تقيم وزناً لحياة الانسان ولا تمنح حصانة لممتلكاته وسيادة وطنه وحقوقه الطبيعية.
رطانة اميركية ظن الذي اخترعوها بالتزامن مع الاكذوبة الكبرى التي سوقوها في انحاء المعمورة عن «الحلم الاميركي» انهم بذلك يأسرون الباب وعقول شباب العالم ويستقطبونهم ويجعلون منهم اسرى الاعجاب (حدود الهوس) بالنموذج الاميركي وموسيقى الروك اند رول ودجاج الكنتاكي والهمبرغر وكل ما انتجته الثقافة الاميركية التي لا يمكن اعتبارها ثقافة اصيلة لأنها لم تقم اصلاً على اسس تاريخية او حضارية راسخة بل هي نتاج حضارات شعوب أخرى وثقافات مختلفة ومهاجرين استقروا في «قارة» تتوفر على خيرات وفيرة وتكاد ان تكون خالية من سكانها الاصليين (الهنود الحمر) بعد ان ابادوهم عن بكرة ابيهم (الا قليلا) وبعد ان دمروا حضارتهم وثقافاتهم واسكنوا من نجحوا في البقاء منهم في «معازل» تتواضع امامها معسكرات الاعتقال النازي، وباتوا جزءاً من الفلكلور الاميركي، عاشت بعدها حضارة «الاميركي الابيض» في حال انكار كاملة واكذوبة كبرى تنهض على اسطورة متهافتة اسمها الحلم الاميركي، وتستند الى ما هو اشد هشاشة يطلق عليها زيفاً «القيم الاميركية»..!!
هنا يجدر بالذين يعتمدون على ذاكرتهم فقط، فضلاً عن اولئك الذين قرأوا التاريخ الاميركي (بأي سردية جاء) فضلاً عن كونه تاريخاً حديثاً جداً يكاد لا يذكر او يقاس بتاريخ الشعوب الاصيلة والحضارات الانسانية الرئيسة في اوروبا والشرق الاوسط وخصوصاً آسيا، ان يحاكموا مصطلح القيم الاميركية منذ ان فرضت السياسة الاميركية حضورها على المشهد الدولي وبخاصة بعد العدوان الثلاثي على مصر، وملء الولايات المتحدة الاميركية «الفراغ» الذي نشأ بعد انهيار الامبراطوريتين الاستعماريتين البريطانية والفرنسية، بعد فشل ذلك العدوان وصمود الشعب المصري وزعيمه جمال عبدالناصر في وجه لندن وباريس وتل ابيب..
منذ تلك الأيام تعرضت البشرية الى قوة اشد بشاعة وقسوة من ارتكابات القوتين الاستعماريتين اللتين احكمتا قبضتهما على اكثر من ثلثي شعوب العالم وظهرت الولايات المتحدة بما هي قوة امبريالية (أعلى مراحل الرأسمالية) في شكل وحشي لا يعرف الرحمة، ولا يقبل أي مناقشة وتحت ذريعة انها تخوض «حرباً باردة» ذات طابع ايديولوجي مع الاتحاد السوفياتي ومنظومة الدول الاشتراكية التي وقفت الى جانب حركات التحرر الوطني في آسيا وافريقيا واميركا اللاتينية وقدمت لها كل اسباب الدعم كي تتحرر من ربقة الاستعمار وتنال حريتها وحق تقرير مصيرها، فإن الدولة الاستعمارية الاولى في العالم لم تتسامح مع من يقول لها «لا» ما بالك اذا ما وقف الى صف اعدائها ولهذا دبّرت الاغتيالات وتآمرت على الدول والزعماء والثورات وابقت على سفاراتها مراكز للتآمر والتجسس والتخطيط للفتن والحروب الأهلية وبث الشائعات والايقاع بين مكونات المجتمع الواحد وتغذية الانقسامات العرقية والدينية والطائفية والمذهبية ودائماً وخصوصاً في السيطرة او التسلل الى المؤسسات العسكرية والأمنية وضمان وجود «اصدقاء» لها فيها على نحو يمكنها من اطاحة أي رئيس يفكر بالخروج على طاعتها او الحدّ من التبعية لها، حدث ذلك في تشيلي سلفادور الليندي وقبله في دول اميركية عديدة، وفي منطقتنا حدّث ولا حرج، بدءاً من ثورة رشيد عالي الكيلاني حتى مع وجود بريطانيا المستعمرة وخصوصاً في ايران محمد مصدق، ولم يتوقف التآمر على جمال عبدالناصر ودولة الوحدة (الجمهورية العربية المتحدة) ثم المؤامرة الاكبر المتمثلة في حرب حزيران 1967، ولم تكن كامب ديفيد والمعاهدة المصرية - الاسرائيلية 79 نهاية المطاف، بل تم احتلال بيروت (1982) وأخذت حكومة بيغن الضوء الاخضر لتدمير المفاعل النووي العراقي والانحياز غير المحدود للعدوان الاسرائيلي ومنع الشعب الفلسطيني من تقرير مصيره ونيل حريته..
هل نسينا فيتنام؟ وقبلها هيروشيما وناكازاكي؟
هل نحتاج الى من يُذكّرنا بالحرب على الاسلام ووصف الاسلام بأنه دين فاشي يحض على العنف والحروب؟
هل تغيب عن الذاكرة جرائم سجن ابو غريب وغوانتانامو؟ ام تلك الصور التي يبول فيها «جنود الحرية» على جثث القتلى او يأخذون صوراً تذكارية «معهم» او ينتزعون اطرافهم للاحتفاظ بهم للذكرى؟
ثمة ما يفيض عن مساحة هذه العجالة التي تقول الوقائع ان لا شيء يسمى «قيماً اميركية» في واقع الحال، بل هي مجرد دعاية وكلام مغسول وبروبغندا معدة بعناية يراد من ورائها صرف الانظار عن الجرائم التي ترتكبها دولة عظمى باسم الدفاع عن الحريات وتحت ذريعة نشر الديمقراطية وبناء الدول، لكن النتائج الميدانية والتاريخية تقول عكس ذلك .. تماماً..