Wednesday, May 2, 2012

مظلومية الـ بي بي سي

من منا لا يذكر اذاعة البي بي سي العربية وعصرها الذهبي، الذي امتد منذ تأسيس القسم العربي حتى منتصف تسعينيات القرن الماضي، حيث كانت الرئة التي يتنفس بها الانسان العربي المتعطش لمعرفة الحقيقة، من وجهة نظر محايدة تنقل له الحقيقة بكل جوانبها، من غير اتخاذ تلك الاساليب القذرة والاكاذيب والافتراءات، التي تنتهجها اليوم قنوات الثورة التكفيرية كالعالم وبرس تي في والكوثر وبقية قنوات الشعوذة العراقية. ولم تكن معرفة الحقيقة هي الشيء الوحيد الذي أسر قلوب وعقول المستمعين العرب، بل إن التثقيف السياسي والاقتصادي كان أحد أهم أهداف البي بي سي العربية للمستمع العربي.
ولكن هذا العصر الذهبي اصطدم بعقبتين رئيسيتين أطاحتا بمصداقية وشهرة البي بي سي العربية، وهما عصر الفضائيات وانتشارها بسماء العالم العربي، والثاني ظهور جيل جديد للبي بي سي لم يكن بمستوى وبمهنية وحيادية وعقلية الجيل القديم. فالفضائيات العربية خصوصا الجزيرة والعربية ونجاحهما وشهرتهما، أطاحت بالبي بي سي وسحبت جمهورها العربي. وانتشار القنوات القذرة والطائفية سحبت أيضا جزءا من جمهور البي بي سي، لأن هذه القنوات كانت تعبر عن طائفية هذا الجمهور. أما الجيل الجديد للبي بي سي، فلم يستطع أن يجاري قوة وسطوة وشعبية طاقم وإدارة الجزيرة والعربية.
والبي بي سي العربية الآن تسير وفق ثلاثة روافد، يعمل اثنان منهما على استمرار هذه المؤسسة البريطانية، وسط هذا البحر الهائج من الفضائيات العربية. وأول هذه الروافد هي شهرة البي بي سي، وثانيها إمكانات البي بي سي الأم، وأخيرا إدارة الجيل الجديد. بمعنى ان البي بي سي العربية ساعدها في الاستمرار حتى الآن شهرتها وتاريخها السابق، بالإضافة الى الإمكانات الهائلة التي توفرها البي بي سي الأم. ولو فرضنا ان هذين الثلثين وهما الشهرة والسمعة السابقة وإمكانات المؤسسة الأم لم يكونا متوفرين، فلنا ان نعرف بأن وضع البي بي سي العربية سيكون مزريا ومأساويا.
أما لو نظرنا الى الثلث الاخير من هذه العوامل وهي ادارة الجيل الجديد، فاننا سنكون أمام قناة لا تمتلك ادارة وسياسة اعلامية واضحة، ولا ترتكز على أسس واضحة لمعنى الحيادية والمهنية، التي كانت تقود عقلية الجيل الجديد. ولو اخذنا مثلا مسألة تعاطي القناة مع الشأن البحريني، فإننا سنجد سياسة تحريرية طفولية لا تعرف للتحرير معنى واضحا. فالناظر الى تعاطيها، سيكتشف انه أمام قناة (برس تي في) الإيرانية الناطقة بالانجليزية، من حيث الدعاية الواضحة والتحيز المفضوح للمعارضة الموالية لإيران، من حيث استضافة رموز وقادة هذه المعارضة في بعض الأحيان بكل شاردة وواردة لوحدهم من دون وجود طرف آخر. وأيضا من خلال نشر أخبار لا ترتقى مطلقا لأن تكون على الشريط الإخباري او في النشرة الإخبارية. فمثلا تبث خبر مقتل 130 شخصا بنيران قوات الامن السورية، وبعده تبث خبر وجود جثة في إحدى القرى البحرينية “غير بعيدة عن موقع سباق الفورمولا”. وتارة اخرى تمجد بمرتزق دانمركي يقوم بحركات صبيانية ويمتنع عن الأكل، في سبيل استعطاف العالم العربي، وتسويق هذا المرتزق الدانمركي ليكون والعياذ بالله قدوة للعرب، مع العلم بأن مقاوما عراقيا أو سوريا يعادل في بطولته المعارضة الموالية لإيران كلها.
إن المهنية والحيادية تتطلب منك النظر الى مجموعة الاخبار لديك لتختار منها الأهم ثم المهم لتبثه للمشاهد، وهو ما لم يلتزم به الجيل الجديد من البي بي سي، في تعاطيه مع الوضع والشأن البحريني. ولعل احد أغبيائهم اشار عليهم بأنهم سيحققون سبقا إعلاميا بالتركيز على الوضع البحريني، لأن الجزيرة والعربية لا تتطرق الى البحرين. وهذا رأي غبي يثبت عدم وصول عقلية هذا الجيل الى عقلية الجيل القديم، لان المشاهد العربي يعرف أن ما يحدث بالبحرين هي محاولة إيرانية لقلب نظام الحكم من خلال التستر بثياب الثورات العربية، تمهيدا لاحتلال البحرين مثلما احتلوا العراق. والأمر الثاني هو ان المشاهد العربي مشغول بثوراته وإصلاحاته وبدعم الثورة السورية، ولا وقت لديه حتى يهتم ويتابع مظلومية المعارضة الموالية لإيران ولا مظلومية الجيل الجديد للبي بي سي وفشله بعدم الوصول الى شهرة وعقلية الجيل القديم.