Wednesday, May 23, 2012

جريمة صنعاء هل تقرع الأجراس

عبدالله الأيوبي
إذا كانت جريمة التفجير الإرهابي الذي ضرب مدينة صنعاء أمس الأول وأودى بحياة أكثر من تسعين عسكريا يمنيا وإصابة المئات بجروح تعد واحدة من أبشع وأعنف الهجمات الانتحارية التي ينفذها تنظيم القاعدة الإرهابي، فإنها لن تكون الأخيرة وقد لا تكون الأعنف أيضا بعد أن أوجد هذا التنظيم لنفسه مواطئ قدم قوية ومتفرقة فوق الأراضي اليمنية ومدد خيوط انتشاره مع أكثر من جهة في الداخل وفي الخارج أيضا، فالانتحاري الذي نفذ الجريمة البشعة هو جندي تم تجنيده لصالح القاعدة ونفذ العملية بحزام ناسف يحوي ١٣ ألف شظية أثناء مشاركته في تدريبات العرض العسكري المقرر إقامته أمس الثلاثاء بمناسبة ذكرى توحيد شطري اليمن.
وما يرفع من التوقعات بارتفاع وتيرة الجرائم الإرهابية من جانب تنظيم القاعدة في اليمن هو التوجه الحكومي في الآونة الأخيرة والمدعوم عسكريا ولوجستيا من جانب الولايات المتحدة الأمريكية لإنهاء سيطرة تنظيم القاعدة على محافظة أبين في جنوب اليمن من خلال حملة عسكرية كبيرة يشارك فيها نحو ٢٠ ألف جندي يمني أسفرت حتى الآن عن مقتل نحو ٢٢٧ مقاتلا يشتبه في أنهم من أنصار القاعدة أو ما يعرف في اليمن بـ «أنصار الشريعة»، وبالتالي فإن التوقعات ترجح تصاعد مثل هذه الجرائم إذا ما استمرت الحكومة اليمنية في نهج التصدي الحاسم للتنظيم.
ليس أمام الحكومة اليمنية من خيار سوى حسم أمرها والسير في قرار التصدي لهذا التنظيم الإرهابي الذي استفاد من الأزمة السياسية التي مرت بها البلاد وضعف سيطرة الحكومة المركزية، فسيطر على مناطق واسعة من محافظتي أبين وشبوة تمهيدا لتأسيس قاعدة لوجستية وتموينية تعزز من قدرته على الانتشار في أكثر من محافظة، سعيا منه نحو إقامة الإمارة «الإسلامية» التي تعتبر هدفا معلنا من أهداف هذا التنظيم بعد فشل تجربة مثل هذه الإمارة في أفغانستان اثر الحرب الأمريكية الأطلسية التي أسفرت عن إسقاط حكم «طالبان» في كابول.
فاليمن كان القاعدة الرئيسية التي استقبلت من يسمون المقاتلين العرب العائدين من أفغانستان قبل ان يتوزعوا في أكثر من منطقة مثل الجزائر والبوسنة والهرسك ومن ثم الصومال، حيث كونوا هناك قواعد وأنصارا محليين وشاركوا في تدريب العناصر المحلية على تنفيذ مثل هذه العمليات تحت حجة «محاربة» الأمريكان وأعوانهم من الحكومات العربية وغيرها، وهناك الكثير من الشواهد التي تؤكد مثل هذين النهج والتوجه لتنظيم القاعدة، وقد شهدت المملكة العربية السعودية في فترة من الفترات تصاعد الجرائم الإرهابية لتنظيم القاعدة، والصورة نفسها تكررت في العراق بعد الغزو الأمريكي، وهي تتكرر الآن في سوريا وفي اليمن.
فالمهمة أمام الحكومة اليمنية ليست سهلة، وهي معقدة في الوقت نفسه، فتنظيم القاعدة أو ما يعرف بـ «أنصار السنة» يتخذ من الدين الإسلامي غطاء لتوجهاته العقدية والسياسية وبالتالي فإن التربة اليمنية مهيأة أمامه للتغلغل في صفوف اليمنيين ونشر تعاليمه وتجنيد العناصر التي تمكنه من مواصلة حربه في اليمن، أضف إلى ذلك ان هذا التنظيم يشعر الآن بأن هناك حربا حقيقية يتعرض لها، ليس من جانب الحكومة اليمنية وحدها، وإنما هناك دعم مباشر من جانب الولايات المتحدة الأمريكية التي أرسلت ـ بحسب التقارير الصادرة عن اليمن ـ مستشارين عسكريين لتوجيه القوات اليمنية في ساحة المعارك بمحافظتي أبين وشبوة، كما أن الطائرات الأمريكية من دون طيار تنفذ هي الأخرى عمليات قصف مستمرة لمواقع القاعدة في تلك المنطقة.
بلا شك أن حرب اليمن ضد تنظيم القاعدة تصب في صالح الشعب اليمني على المدى البعيد، فهذا التنظيم إذا ما تمكن من التمدد والانتشار في اليمن، فإن المخاطر التي يمثلها لن تنحصر في الحدود الجغرافية للدولة الشقيقة، بل ان دول الجوار ستدفع هي الأخرى ثمن هذه النتيجة، ومنها بالدرجة الأولى المملكة العربية السعودية التي كانت باستمرار هدفا معلنا لهذا التنظيم، بل نفذ الكثير من الجرائم الإرهابية على أراضيها، ومن هنا فإن الوقوف إلى جانب اليمن في حربه العادلة ضد هذا التنظيم الإرهابي سوف يخدم مصالح الشعب اليمني والشعوب المجاورة الأخرى.
فليس هناك مجال للتهاون مع الخطر الذي يمثله تنظيم القاعدة، سواء في اليمن أو في أي مكان آخر، فقد أثبت هذا التنظيم والتنظيمات المتطرفة الأخرى التي تتخذ منه مثالا لـ «جهادها» أن عملياته ليست مرتبطة بحدود جغرافية معينة، فلم تكن ساحات الدول الغربية التي يدعي هذا التنظيم أنه «يحاربها» بسبب عدائها للإسلام، هي المكان الوحيد الذي نفذ فيه مجازره وعملياته الإرهابية، بل ان الدول والشعوب الإسلامية هي الأكثر تضررا من جرائمه، وهي التي دفعت أثمانا باهظة جراءها، وبالتالي ليس هناك من مخرج أمام القوى والدول المناهضة حقا لهذا التنظيم إلا التصدي له، ومن الخطأ الفادح السكوت على جرائمه في مناطق والتصدي لها في مناطق أخرى، فمثل هذا التوجه سيدفع ثمنه الجميع.