Wednesday, May 23, 2012

القاعدة وعنق اليمن

د.عمران الكبيسي
قبل الخوض في مخاض اليمن العسير مع القاعدة، أود عرض قصة الطفل والبطيخة، ففيها عبرة وذكرى: رأى طفل بطيخة داخل وعاء زجاجي لدى والده، وكان عنق الوعاء ضيقا لا مجال لنفاذ البطيخة منه، تعجب الطفل وانتابته الحيرة، كيف دخلت البطيخة الوعاء الزجاجي وعنقه الضيق؟ وفكر عبثا، ثم بدأ يسأل والده بإلحاح، كيف دخلت البطيخة الوعاء؟
أخذ الوالد الطفل إلى الحديقة، وجاء بزجاجة شبيهة لما معه فارغة، وأدخل برعم بطيخة صغير عالق بفرع مغروس في الأرض، في جوف الزجاجة، وتركه يكبر بطيخة يستعصى خروجها من عنق الوعاء! ففهم الطفل أن البطيخة نمت في جوف الوعاء من الصغر. فكثير من المظاهر التي ألفناها تكبر من الصغر كان بالإمكان التخلص منها لو أردنا، أما حين تكبر تلك العادات فلا بد من كسر الوعاء الذي يحتويها. فيا ترى، من ادخل برعم القاعدة داخل جوف اليمن، وتركها تكبر ليغص فيها ويعاني مخاضا صعبا يدفع ثمنه اليوم، ويهدد بكسر جدار أمنه، وتدمير ألفة شعبه؟
وللتذكير، إن الأميركان هم من أدخل براعم القاعدة في جوف اليمن، يوم استغلوا عاطفة اليمنيين الدينية، وحبهم للسلاح والتدريب على استخدامه بشجاعة، ونفورهم من الإلحاد الشيوعي، فوظفوا هذه المعطيات وجندوا الشباب للجهاد في أفغانستان المسلمة لصالحهم ضد الاتحاد السوفيتي، وحين خرج السوفيات، وعاد المجندون إلى بلادهم لم يلتفت إليهم احد، وأهملوا عنوة، وأمعنت أميركا في تأييدها وانحيازها للصهاينة ضد الفلسطينيين، فكبرت بطيخة القاعدة وانقلب السحر على الساحر، وأصبحت أميركا في مرماهم. وارتكبت أميركا خطأ بتعاونها مع علي صالح ولا اتهمه بالتعاون المباشر الخفي مع القاعدة كما يفعل أعداؤه للنكاية، وإن كان هو المسؤول عن تمددها بسياسته الخرقاء، بهدف تخويف أميركا لمساعدته بالسلاح كحليف دائم ضد القاعدة، وبالمثل حاول الأميركان استخدامها فزاعة لصالح ليضمنوا ولاءه لهم واتخذوا القاعدة طعما، وباتوا يتأبطونه شرا، وكل منهما يغرر الآخر، حتى كبرت البطيخة في جوف اليمن وأصبحت تهدد بالانفجار من الداخل، وتحطيم الزجاجة وليس كسرها من الخارج.
ولا اعفي الدول العربية ودول الخليج بضمنها من المسؤولية غير المباشرة، فدول الخليج التي تستقطب العمالة من كل حدب وصوب أدارت ظهرها لليمن الشقيق بعد حرب الخليج الثانية، وفضلت أبناء آسيا عليهم كأيد عامله، واكتفت بمساعدات مادية للحكومة اليمنية تصرف كرواتب، أو بناء مدرسة ومستشفى ومركز شرطة، ولم اسمع دولة عربية فتحت مصنعا للأحذية وخياطة الملابس، أو تعليب المنتجات الغذائية، أو بنت فنادق ومنتجعات سياحية، ولا حتى مصنع ابر ومسامير أو دراجات هوائية، ولم يحسب العرب للخطر حسابا لو أن القاعدة تمددت أكثر بفعل الفقر وانتشار البطالة، وكسرت حدود اليمن إلى الجوار ماذا تفعل؟
حكومة صالح هي الأخرى توسعت بالتعليم الجامعي بلا هدى ولا تخطيط، بهدف استيعاب خريجي الثانوية وإشغالهم أربع وخمس سنوات بالجامعة، وبعدها يفتح الله، أذكر قسم علم الاجتماع بجامعة تعز يقبل نحو مائتي طالب سنويا، وهناك نحو سبعة أقسام بجامعات أخرى، وليس لليمن مؤسسات تستوعب 5% من عدد الخرجين، وهكذا في كل الأقسام العلمية، فتراكم الخريجون، وتفاقمت البطالة، وازداد الفقر، وكثرت الأمراض النفسية، وصار الشباب عرضة لاصطياد المتربصين وللاختراق والتجييش والتخابر.
وأشاحت الحكومات عن توظيف الخريجين من ذوي التيار الإسلامي فازداد عددهم وتضخم عداؤهم للحكومات التي لم تنصحهم، ولم تستعن بعلماء دين مخلصين لإرشادهم وإنقاذهم من الزلل والانحراف، وسمح صالح للأميركان بقصف القرى بذريعة تصفية رجال القاعدة ومنابع الإرهاب، فأعطاها الحجة بإدانته بالتعاون مع أعداء الإسلام، وقصفت أميركا أبناء القرى خطأ وصوابا فتفاقمت الكراهية إضافة إلى سجن غوانتنامو السيئ السمعة، وإلقاء جثة بن لادن في البحر استهانة بشعائر المسلمين، ومبالغة الحكومات العربية باستخدام العنف ضد بعض الإسلاميين، لتقابل بالمثل، ولم تستوعب حماقات أبنائها الضالين، وتعمل على إصلاحهم قبل إن يتطرفوا ويصبحوا إرهابيين خطرين.
وعرف اليمن بشجاعة أهله واستبسالهم في المعارك بطبيعة حميتهم القبلية! ودفعوا ثمن شجاعتهم باهظا في حروب الدويلات بينهم وما أكثرها في تاريخ اليمن، ولولا الهجرة والحروب لأصبح تعداد اليمن بعدد سكان الصين؟ وعرف اليمنيون بالحكمة والتعقل أيضا و”الحكمة يمانية” كما ورد بالحديث الشريف، ورغم انتشار السلاح بينهم وحملهم له قلما يستخدمونه، فثمن استخدام السلاح باهظ لديهم، والقاتل يقتل ولو بعد حين، والثأر تقليد قبلي اجتماعي متجذر وراسخ في أعماق المجتمع اليمني، ولذلك لا يميلون إلى استخدام السلاح، لكن الظروف أجبرتهم في حكومات جائرة لا تعرف إلا دفع مواطنيها لارتكاب مخالفات لتعتقلهم وتعذبهم وتحكمهم بالإعدام والسجن. وصار العالم أجمعه يعاني إرهاب القاعدة ويجني اليمن وغيره اليوم حصادها المر علقما.