Wednesday, May 23, 2012

الاتحاد ملاذنا الآمن

عثمان الماجد
«إن التحديات السياسية والاقتصادية والأمنية التي تموج بها المنطقة تجعل من الاتحاد الخليجي الملاذ الآمن للتعامل معها وصمام أمان لدول المجلس وشعوبه...» من هذه العبارة التي صدرت عن سمو رئيس الوزراء ونائب جلالة الملك إثر زيارة قام بها هذا الأخير لسمو رئيس الوزراء الموقر، تولدت فكرة موضوع المقال ولاح لي عنوانه الذي تقرؤون أعلاه، لأنني وجدت في هذه العبارة تكثيفا لحلم راود أجيالا وأجيالا. فالعبارة فضلا عن تجسيدها لقراءة سياسية ذكية لسياق تتقاطر فيه علينا التحديات والأطماع من كل حدب وصوب وبأشكال مختلفة تفرض ردودا نوعية بعضها داخلي نجده ماثلا في إرساء ثقافة الحوار ومجتمع التوافق الوطني وبعضها الآخر خارجي إستراتيجي نجد عنوانه الأكبر وحدة نواة لوحدة أكبر، قد فعلت في النفس فعل السحر فعادت بالذاكرة إلى أكثر من ثلاثين عاما خلت، إلى حيث منازل الصبا الناصرية التي غادر كثيرون منا محطاتها ولكنهم مع ذلك ورغم تفرقهم في أنحاء الأرض لم تغادر أذهانهم وقلوبهم فكرة الوحدة باعتبارها ملاذا آمنا حقيقيا للعرب للتعامل مع كل الاحتمالات الناجمة عن المتغيرات السياسية الكونية العميقة التي نلاحظ تصاعد وتيرتها في بدايات هذا العقد الثاني من الألفية الثانية بشكل دراماتيكي خاصة في منطقتنا العربية عموما وفي إقليمنا الخليجي وبصفة أخص من جارة السوء إيران التي يفترض فيها أن تكون عضيدة لدول مجلس التعاون في سعيها لجعل حوض الخليج العربي موئلا حاضنا للسلام وداعمة لمسعى دوله في إرساء قواعد التفاهم، فإذا بها بحجج نصرة المذهب حينا وبحيل الجغرافيا أحيانا تُحيي أطماع إمبراطورية بادت لتطلب ابتلاع دول المنطقة كلها في خطة مرحلية طالت جزر الشقيقة الإماراتية وعطفت على البحرين بعيون السوء تصريحا أحيانا وتلميحا حينا آخر وإذكاء لفتنة مذهبية غُلفت بلبوس البحث عن الشرعية الدستورية لتتوج ولاية الفقيه مآلا حتميا لتاريخ أرادته إيران لنفسها ضاربة عرض الحائط قيم الجوار وكل الأعراف الدبلوماسية. وعلى الرغم من أن هناك وجهات نظر مختلفة حول الاتحاد الذي دعا إلى الانتقال إليه من مرحلة التعاون خادم الحرمين الشريفين إلى مرحلة الاندماج، إلا أن ذلك لا يلغي أهمية هذا الطرح في الوقت الصعب الذي يموج بالمنطقة، كما ورد في العبارة السالفة الذكر، فمبادئ الوحدة عنوان تلاحم حقيقي بين النخب السياسية وعامة الجماهير التي لا تعيش إلا بهذا الحلم وله، وأعتقد شخصيا أن تلاحما كهذا لا يروق لنظام سياسي آثر مصالح العمامات السوداء بديلا عن مصالح شعب كل آماله جرعة من الحرية والديمقراطية الحقيقية، ولعل في تدخلات هذا النظام في الشأن البحريني خير حجة وبرهان على صدق ما أقول فالتجربة الإصلاحية السياسية البحرينية محرجة لنظام الآيات، لأنها تسحب من تحتهم بساط الكهنوت وتثبت أن الديمقراطية في منطقة الخليج العربي حقيقة واقعة إذا ما توافرت الإرادة السياسية الصادقة والوعي المدني للمواطنين. لقد دفعتني مبادرات خادم الحرمين الشريفين وإرادة دول مجلس التعاون من أجل إرساء وحدة خليجية إلى مقايسة هذه الدعوة بما تحتفظ به ذاكراتنا نحن العرب من أقوال كثيرة عن المعاني القاموسية لمفردات «الوحدة» أو»الاتحاد»، لأدرك أن شيئا من هذه الأقوال ناتج عن تجارب فاشلة ومنها على سبيل الذكر لا الحصر تجربتا الوحدة بين مصر وسوريا من جهة وبين اليمنين من جهة أخرى، وأن شيئا آخر فيها نابع من محاولات طموحة ترنو إلى تأسيس كيان قوي مثل مشروع الاتحاد المغاربي. ولقد استقر في هذه الذاكرة فهم عام لمعنى هذه الوحدة باعتبارها حلما ينسج العرب، جيلا بعد جيل، توصيفات لها ولم يصلوا بعد إلى صيغة نهائية حول شكل هذه الوحدة، هذا إذا ما استثنينا تجربة إتحاد دول الإمارات العربية التي تبلورت نجاحا باهرا، ومثالا يجب الاحتذاء به، في دولة تحظى بسمعة دولية محترمة وهي دولة الإمارات العربية. وإلى جانب المعنى المنحوت في ذاكراتنا أو المسعى الذي أعطى الأولون مهجهم وأرواحهم لبلوغه مقصدا لا ينازعه مقصد آخر، تختزن ذاكراتنا الكثير الذي يمكن أن يقال عن تجارب الأمم الأخرى التي سجلت نجاحا في هذا المضمار مثل تجربة الاتحاد الأوروبي الحديثة العهد في اكتمالها كتجربة رائدة ماثلة للعيان، والبعيدة تاريخا في إرساء المقدمات الاقتصادية اللازمة لهذا النجاح حيث تعود إلى العام 1957. ولا أظن أن التاريخ قد عرف أمة أخرى تحدثت بمثل العمق الذي تحدثت به أمة العرب عن مقومات وحدتها وأبعادها وآلياتها والمكاسب المرجوة منها ولا أمة أخرى قد اختطت هذا المسعى الحثيث إلى الوحدة أكثر مما فعلته أمة العرب، ورغم أن تلك المساعي كانت جادة وصادقة، إلا أنها لم تكن بذات التهيئة التي عملت دول مجلس التعاون على إرساء قواعدها الاقتصادية والسياسية وتنمية الموروث الحضاري الثقافي والاجتماعي المشترك ليكون عاملا مكملا لما يجب أن يتوافر حتى تكتمل صورة هذه الوحدة ويكتب لها النجاح، مستلهمة في ذلك ناجح التجارب مثل تجربة الاتحاد الأوروبي. ومن سخرية الأقدار أن هذا العمل الجبار الذي مر على العمل فيه أكثر من ثلاثين عاما قد صار يتصادم مع مصالح جمعية «الوفاق» الوطنية جدا وشقيقاتها المذهبيات التي اختارت الارتماء الكلي في أحضان إيران، هذه الدولة التي تحمل من الكره لمستقبل دول مجلس التعاون ما تنوء به الجبال، وتقف ضد كل ما يمكن أن يجمعها على الخير، وتعتبرها حجر عثرة في نمو نفوذها التوسعي المبني على عناصر تتعاكس مع حركة المجتمعات في نهوضها الحضاري لقبر كل ما هو مذهبي وعنصري لمصلحة الوطني والإنساني. موقف جمعية «الوفاق» من الاتحاد لم يكن جديدا فلقد عبرت عنه بصراحة لا حياء فيها مذاك الوقت الذي فيه جاءت طلائع قوات درع الجزيرة للدفاع عن البحرين، وأصحبت موقفها ذاك بوابل من الألفاظ والاتهامات إلى هذه القوات باعتبارها قوات سعودية غازية في حين كانت مهمات هذه القوات محددة وصريحة وهي الدفاع عن المنشئات الحيوية التي كانت مهددة بغزو محتمل. خلاصة القول إن موقف جمعية «الوفاق» المتناقض مع حقيقة واقع دول مجلس التعاون لا ينبغي أن يعتد به لأنه لا يأتي إلا تعبيرا عن مذهبية فاقعة لا ترى حياة إلا في كنف ولاية الفقيه، وإن انتقال دول مجلس التعاون إلى مرحلة الاتحاد، الذي لا يمنع أي دولة من دوله أن تتقدم في المسار الديمقراطي ولا تراجع فيه عن مبدأ فصل السلطات، هو الضمان لبلوغ الملاذ الآمن الذي أردته عنوانا لهذا المقال.